من النبي الشفاعة لا يقصد منه إلّا المعنى الشائع (١).
إلى هنا تبيّن أنّ طلب الشفاعة يرجع إلى طلب الدعاء ، وهو أمر مطلوب في الشرع من غير فرق بين طلبه من الشفيع في حال حياته أو مماته ، فهو لا يخرج عن حد طلب الدعاء ، وأمّا كونه ناجعاً أو لا؟ فهو أمر آخر نرجع إليه كما مرّ.
والذي يحقّق هذا الأمر هو صدور مثله من السلف الصالح في العصور المتقدمة وإليك نزراً منه :
السلف وطلب الشفاعة من النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله
١ ـ الأحاديث الإسلامية وسيرة المسلمين تكشفان عن جواز هذا الطلب ، ووجوده في زمن النبي صلىاللهعليهوآله فقد روى الترمذي في «صحيحه» عن أنس قوله : سألت النبي أن يشفع لي يوم القيامة ، فقال : «أنا فاعل» ، قال : قلت : يا رسول الله فأنّى أطلبك ، فقال : «اطلبني أوّل ما تطلبني على الصراط» (٢).
فالسائل يطلب من النبي الأعظم ، الشفاعة دون أن يخطر بباله أنّ هذا الطلب يصطدم مع أُصول العقيدة.
٢ ـ هذا سواد بن قارب ، أحد أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله يقول مخاطباً إيّاه :
فكن لي شفيعاً يوم لا ذو شفاعة |
|
بمغن فتيلاً عن سواد بن قارب (٣) |
٣ ـ روى أصحاب السير والتاريخ ، أنّ رجلاً من قبيلة حمير عرف أنّه سيولد
__________________
(١) لو كان للشفاعة معنى آخر من التصرف التكويني في قلوب المذنبين ، وتصفيتهم في البرزخ ، ومواقف القيامة فهو أمر عقلي لا يتوجّه إليه إلّا الأوحدي من الناس.
(٢) صحيح الترمذي ٤ : ٦٢١ ، كتاب صفة القيامة ، الباب ٩.
(٣) الإصابة ٢ : ٩٥ ، الترجمة ٣٥٧٦ ، وقد ذكر طرق روايته البالغة إلى ست ، وراجع أيضاً الروض الأنف ١ : ١٣٩ ؛ بلوغ الإرب ٣ : ٢٩٩ ؛ عيون الأثر ١ : ٧٢