شكَّ أنّ الإنسان من حيث هو هو أمر باق من أوّل عمره ، والباقي غير ما هو غير باق ، والمشار إليه عند كل أحد بقوله «أنا» وجب أن يكون مغايراً لهذا الهيكل (١).
علم الإنسان بنفسه مع غفلته عن بدنه :
ترى الإنسان يغفل في ظروف خاصة عن كل شيء حتى عن بدنه وأعضائه ، لكنّه لا يغفل عن نفسه ، وهذا برهان تجريبي يمكن لكلّ منّا القيام به ، وبذلك يصح القول بأنّ للإنسان وراء جسمه الماديّ حقيقة أُخرى ، حيث إنّه يغفل عن الأُولى ولا يغفل عن الثانية ، وبتعبير علمي : المغفول ، غير المغفول عنه ، وإليك توضيح ذلك : إنّ إدراك هذه الحقيقة (يغفل عن كل شيء حتى جسمه ولا يغفل عن نفسه) يتوقف على ظروف خاصة بالشكل التالي :
١ ـ أن يكون في جوّ لا يشغله فيه شاغل ولا يلفت نظره لافت.
٢ ـ أن يتصور أنّه وجد في تلك اللحظة بالذات وأنّه كان قبل ذلك عدماً ، وما هذا إلّا ليقطع صلته بماضيه وخواطره قطعاً كاملاً.
٣ ـ أن يكون صحيح العقل سليم الإدراك ، في تلك اللحظة.
٤ ـ أن لا يكون مريضاً لا يلفت المرض انتباهه إليه.
٥ ـ أن يستلقي على قفاه ويفرّج بين أعضائه وأصابع يديه ورجليه حتى لا تتلامس فتجلب انتباهه إليها.
٦ ـ أن يكون في هواء طلق معتدل لا حار ولا بارد ويكون كأنّه معلّق في الفضاء حتى لا يشغله وضع المناخ ، أو يلفته المكان الذي يستند إليه.
ففي هذه الحالة التي يقطع الإنسان كل صلاته بالعالم الخارجي عن نفسه تماماً
__________________
(١) مفاتيح الغيب ٤ : ١٤٧.