الاستقلال ، وأمّا المنسوب إلى غيره فهو على نحو التبعية ، وبإذنه تعالى ، ولا تعارض بين النسبتين ، ولا بين الاعتقاد بكليهما.
فمن اعتقد بأنّ هذه الظواهر الكونية مستندة إلى غير الله على وجه التبعية لا الاستقلال لم يكن مخطئاً ولا مشركاً ، وكذا من استعان بالنبيّ أو الإمام على هذا الوجه.
هذا مضافاً إلى أنّه تعالى الذي يعلّمنا أن نستعين به فنقول : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) يحثُّنا في آية أُخرى على الاستعانة بالصبر والصلاة فيقول : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) (١) وليس الصبر والصلاة إلّا فعل الإنسان نفسه.
حصيلة البحث :
إنّ الآيات الواردة حول الاستعانة على صنفين :
الصنف الأوّل : يحصر الاستعانة في الله فقط ويعتبره الناصر والمعين الوحيد دون سواه.
والصنف الثاني : يدعونا إلى سلسلة من الأُمور المعينة (غير الله) ويعتبرها ناصرة ومعينة ، إلى جانب الله.
أقول : اتّضح من البيان السابق وجه الجمع بين هذين النوعين من الآيات ، وتبيّن أنّه لا تعارض بين الصنفين مطلقاً ، إلّا أنّ فريقاً نجدهم يتمسّكون بالصنف الأوّل من الآيات فيخطِّئون أيّ نوع من الاستعانة بغير الله ، ثمّ يضطرّون إلى إخراج (الاستعانة بالقدرة الإنسانية والأسباب المادية) من عموم تلك الآيات الحاصرة للاستعانة بالله بنحو التخصيص ، بمعنى أنّهم يقولون :
إنّ الاستعانة لا تجوز إلّا بالله إلّا في الموارد التي أذن الله بها ، وأجاز أن يستعان
__________________
(١) البقرة : ٤٥.