وهناك نكتة أشرنا إليها سابقاً ، وهي أن لو كان التوسّل بشخص النبي أمراً منكراً بين المسلمين لما تجرّأ الواضع بوضع الحديث الذي يتضمّن ذلك الأمر المنكر ؛ لأنّ هدفه من الوضع إقبال الناس إلى كلامه وتسليمهم بالرواية ، وهذا لا يجتمع مع كون المضمون أمراً مخالفاً لما عليه المسلمون في ظرف النقل ، وبذلك يُعلم أنّ الرواية سواء أكانت صحيحة أم لا ، تُثْبت ما بيّناه في جواز التوسّل بذات النبي.
نعم هنا شبهات حول الرواية ، تجب الإجابة عنها :
الشبهة الأُولى
إنّ الحديث يتضمّن الإقسام على الله بمخلوقاته ، فالأقسام على الله بمحمد وهو مخلوق بل وأشرف المخلوقين لا يجوز ؛ لأنّ حلف المخلوق لمخلوق حرام ، فالحلف لله بمخلوقاته من باب أولى.
يلاحظ عليه : أنّ ما استدلّ به على حرمة الإقسام على الله بمخلوقاته عن طريق أنّ الحلف بمخلوق لمخلوق حرام ، مردود جداً ، لأنّ القرآن مليء بالحلف بمخلوق لمخلوق ، قال سبحانه :
(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ* وَطُورِ سِينِينَ* وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (١).
(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى * وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) (٢).
(وَالْفَجْرِ* وَلَيالٍ عَشْرٍ* وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ* وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) (٣).
ففي هذه الآيات حلف بمخلوق على مخلوق ، والحالف هو الله والمحلوف به هو هذه الموجودات والمحلوف لهم هم الناس أو المسلمون قاطبة.
فلو كان الحلف بمخلوق لمخلوق أمراً خطيراً وبمقربة من الشرك أو هو نفسه كما
__________________
(١) التين : ١ ـ ٣.
(٢) الليل : ١ ـ ٢.
(٣) الفجر : ١ ـ ٤.