بدعة «ما لم يكن في القرون الثلاثة»
ومن العجب أنّ أُناساً صاروا إلى تحديد البدعة وتمييزها عن السنّة ، ولكنهم جاءوا حين تحديدها ببدعة وفرية جديدة لا دليل عليها في الكتاب والسنّة ، وهي أنّ المقياس في تمييز البدعة عن السنّة هو القرون الثلاثة الأُولى بعد رحيل الرسول. فما حدث فيها فهو سنّة ، وما حدث بعدها فهو بدعة ، وإن تعجب فإليك نصّ القائل :
«وممّا نحن عليه ، أنّ البدعة ـ وهي ما حدثت بعد القرون الثلاثة ـ مذمومة مطلقة خلافاً لمن قال : حسنة وقبيحة ، ولمن قسّمها خمسة أقسام إلّا إن أمكن الجمع بأن يقال : الحسنة ما عليها السلف الصالح شاملة للواجبة والمندوبة والمباحة ، وتكون تسميتها بدعة مجازاً ، والقبيحة ما عدا ذلك شاملة للمحرّمة والمكروهة فلا بأس بهذا الجمع» (١).
وهذه النظرية الشاذّة عن الكتاب والسنّة نظرية خاصّة استنتجها القائل ممّا رواه الشيخان في باب فضائل أصحاب النبيّ وإليك نصّهما :
روى البخاري قال : سمعت عمران بن الحصين يقول : قال رسول الله : «خير أُمّتي قرني ثمّ الذين يلونهم ثمّ الذين يلونهم» ، قال عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، «ثمّ إنّ بعدكم قوماً ، يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يُؤتمنون ، ويَنذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السمن».
وروى أيضاً عن عبد الله رضى الله عنه أنّ النبيّ قال : «خير الناس قَرني ثمّ الذين يلونهم ثمّ يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته» ، قال : قال
__________________
(١) الهدية السنية ، الرسالة الثانية : ص ٥١.