الوجوه حتّى يُبرِّر حكمه ويصحّحه ويخرجه عن مجال الاجتهاد مقابل النصّ ، بل يكون صادراً عن دليل شرعي ، ومن تلك الوجوه :
١ ـ نسخ الكتاب بالإجماع الكاشف عن النص :
إنّ الطلاق الوارد في الكتاب منسوخ ، فإن قلت : ما وجه هذا النسخ وعمر رضى الله عنه لا ينسخ ، وكيف يكون النسخ بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله؟ قلت : لمّا خاطب عمر الصحابة بذلك فلم يقع إنكار ، صار إجماعاً ، والنسخ بالإجماع جوّزه بعض مشايخنا ، بطريق أنّ الإجماع موجب علم اليقين كالنص ، فيجوز أن يثبت النسخ به ، والإجماع في كونه حجّة أقوى من الخبر المشهور.
فإن قلت : هذا إجماع على النسخ من تلقاء أنفسهم فلا يجوز ذلك في حقهم.
قلت : يحتمل أن يكون ظهر لهم نص أوجب النسخ ولم ينقل إلينا (١).
يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ المسألة يوم أفتى بها الخليفة ، كانت ذات قولين بين نفس الصحابة ، فكيف انعقد الإجماع على قول واحد ، وقد عرفت الأقوال في صدر المسألة. ولأجل ذلك نرى البعض الآخر ينفي انعقاد الإجماع البتة ويقول : «وقد أجمع الصحابة إلى السنة الثانية من خلافة عمر على أنّ الثلاث بلفظٍ واحدٍ واحدة ، ولم ينقض هذا الإجماع بخلافه ، بل لا يزال في الأُمّة من يفتي به قرناً بعد قرن إلى يومنا هذا» (٢).
وثانياً : إنّ هذا البيان يخالف ما برّر به الخليفة عمله حيث قال : إنّ الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم. فأمضاه عليهم ، ولو كان هناك نصّ عند الخليفة ؛ لكان التبرير به هو المتعيّن.
__________________
(١) عمدة القاري ٩ : ٥٣٧.
(٢) تيسير الوصول ٣ : ١٦٢.