فيهم شيئاً من الربوبية ولا استطاعة لكشف الضر وتحويله ، بل هم عباد صالحون تستجاب دعوتهم ، فلو كانت الآية عامة لصورة التوسّل بدعائهم يلزم التهافت بينها وبين قوله سبحانه: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (١).
فالإنسان المصر على عقيدته الذي لا يريد أن يعدل عنها أمام الآيات البيّنات ليس له إلّا إخراج الآية عن مفادها وتفسيرها لأجل رأي مسبق ، فشتّان بين مفاد الآية ، أي عبادة الوسائط بزعم أنّهم آلهة يستطيعون كشف الضر وتحويله وقضاء الحاجة ، وبين توسيط الشخصيات الصالحة بما هم عباد الله ، وبما لهم من منزلة وكرامة عند الله حتى يدعوا للمتوسّل أو يستجيب الله تعالى دعاءه لأجل قربهم وكرامتهم عنده ، فالآية ناظرة إلى المعنى الأوّل دون الثاني.
الآية الثانية
قال سبحانه : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٢).
ربما يقال : إنّ التوسّل نوع من الاستعانة بغير الله سبحانه ، وهو ينافي الحصر الموجود في قوله : (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
والجواب : أنّ الاستعانة بالناس والاستغاثة بهم لا يتنافى مع حصر الاستعانة بالله في قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) لأنّ الاستعانة بهم (باعتقاد أنّه سبحانه هو الذي جهزهم بالقوة ، فلو قاموا بعمل فإنّما يقومون به بحوله وقوّته سبحانه) يؤكد حصر الاستعانة فيه عزوجل.
وإنّما ينافي الحصر لو اعتقدنا بأنّ للأسباب والوسائط أصالة واستقلالاً في
__________________
(١) النساء : ٦٤.
(٢) الفاتحة : ٥.