خاتمة المطاف : آيتان على مائدة التفسير
قد تعرّفت على أدلّة جواز التوسّل بالأنبياء والصالحين ، بأقسامه المختلفة ، وربّما تثار شبهة حول التوسّل يُتمسك لها ببعض الآيات ، فإكمال البحث يقتضي توضيح بعض هذه الآيات التي وقعت ذريعة للشبهة لأجل التفسير بالرأي ، فحاشا أن يكون بين الآيات تهافت واختلاف بأن يدلّ بعضها على جواز التوسّل وبعضها الآخر على المنع ، وحاشا أن تكون السنّة المتواترة على جواز التوسّل مضادّة للقرآن الكريم وإنّما استغلّهما القائل إذ ولج في تفسير الآية من غير بابها وإليك بعض هذه الآيات :
الآية الأُولى
قوله سبحانه : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً* أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً) (١).
وتوضيح الآيتين على وجه يقلع الشبهة من رأس :
تردّ الآيتان على الذين كانوا يعبدون الوسائط والوسائل بتخيّل أنّها تستطيع كشف الضرّ وتحويله عنهم ، وأنّها تملك ذلك ، فلأجل تلك الغاية كانوا يعبدون الجنّ والملائكة وغيرهم ، وكانوا يسمّونهم آلهة ، والآيتان تحتجّان على نفي ألوهيتهم بحجة أنّ الإله المستحقّ للعبادة يجب أن يكون قادراً على إيصال النفع ودفع الضرر ، إذ هو لازم ربوبية الربّ ، لكن الذين يدعون هؤلاء ويعبدونهم لا
__________________
(١) الإسراء : ٥٦ ـ ٥٧.