الثالث : إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمّها كذلك ، وتقبيحها والهروب عنها ـ إلى أن قال : ـ فهو بحسب الاستقراء ، إجماع ثابت ، فدلّ على أنّ كلّ بدعة ليست بحقّ ، بل هي من الباطل.
الرابع : أنّ متعقل البدعة يقتضي ذلك بنفسه ، لأنّه من باب مضادة الشارع واطّراح الشرع ، وكل ما كان بهذه المثابة فمحال أن ينقسم إلى حسن وقبيح (١) وأن يكون منه ما يمدح ومنه ما يذمّ ، إذ لا يصحّ في معقول ولا منقول استحسان مشاقّة الشارع» (٢).
إلى هنا تمّ الكلام في تحديد البدعة من حيث كون الموضوع بسيطاً ومركّباً ، ويترتّب عليه أنّه لا تعمّ البدعة غير الشريعة ، كالعادات والصناعات والأعلام وغيرها ، بل يستخرج حكمها من الكتاب والسنّة بنفس عناوينها ، لا بما هي بدعة ، فربّما تكون حلالاً وأُخرى حراماً ، لكن ليس كلّ حرام بدعة. كما سيأتي.
٢ ـ البدعة إشاعة ودعوة
إذا كانت البدعة هي إدخال ما ليس في الدين فيه أو نقصه منه في مجال العقيدة والشريعة ؛ فهل يتحقّق مفهومها بقيام الشخص بذلك العمل ؛ وحده في بيته ومنزله ، كأن يزيد في صلاته ما ليس فيها أو ينقص منها شيئاً ، أو أنّه ليس ببدعة وإن كان عمله باطلاً وبفعله عاصياً؟ بل البدعة تتوقّف على إشاعة فكرة خاطئة في العقيدة ، أو عمل غير مشروع في المجتمع ودعوتهم إليه بعنوان أنّه من الشرع ، ولك أن تستظهر ذلك القيد من الآيات والروايات ، فإنّ عمل المشركين في التحليل
__________________
(١) لا يخفى أنّ الإمام الشاطبي يقول في كلمته هذه بالحسن والقبح العقليين مع أنّه خلاف مذهبه ، لاحظ الصفحة ١١٤ من الاعتصام.
(٢) الاعتصام ١ : ١٤١ ـ ١٤٢.