كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (١).
ثمّ إنّ النتيجة التي توصّلنا إليها قد توصّل إليها الشاطبي بطريقة أُخرى هذا موجزها :
«قال : الباب الثالث : في أنّ ذمّ البدع والمحدثات عام لا يخصُّ محدثة دون غيرها ـ إلى أن قال : ـ فاعلموا ـ رحمكم الله ـ أنّ ما تقدّم من الأدلّة حجّة في عموم الذمّ من أوجه :
أحدها : أنّها جاءت مطلقة عامة على كثرتها لم يقع فيها استثناء البتة ، ولم يأت فيها ما يقتضي ، أنّ منها ما هو هدى ، ولا جاء فيها : كلّ بدعة ضلالة إلّا كذا وكذا. ولا شيء من هذه المعاني فلو كان هنالك محدثة يقتضي النظر الشرعي فيها الاستحسان ، أو أنّها لاحقة بالمشروعات ، لذكر ذلك في آية أو حديث ، لكنّه لا يُوجد ، فدلّ على أنّ تلك الأدلّة بأسرها على حقيقة ظاهرها من الكليّة التي لا يتخلّف عن مقتضاها فرد من الأفراد.
الثاني : أنّه قد ثبت في الأُصول أنّ كلّ قاعدة كليّة أو دليل شرعي كلّي إذا تكرّرت في مواضع كثيرة وأتى بها شواهد على معان أُصوليّة أو فروعية ، ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص ، مع تكرّرها وإعادة تقررها ، فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم ، كقوله تعالى : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٢) ، فما نحن بصدده من هذا القبيل إذ جاء في الأحاديث المتعدّدة أنّ كلّ بدعة ضلالة ، وأنّ كلّ محدثة بدعة ، وما كان نحو ذلك من العبارات الدالّة على أنّ البدع مذمومة ، ولم يأت في آية ولا حديث ، تقييد ولا تخصيص ، ولا ما يفهم منه خلاف ظاهر الكلية فيها.
__________________
(١) القلم : ٣٥.
(٢) النجم : ٣٨ ـ ٣٩.