وأمّا الشفاعة التي نطق بها الكتاب وأقرّت بها الأحاديث واعترف بها العقل فهي الشفاعة المحدودة بشرائط في المشفوع له والشافع. ومجمل تلك الشرائط هو أن لا يقطع جميع علاقات العبودية مع الله ، ولا يفصم وشائجه الروحية مع الشافعين ، ولا يصل تمرّده إلى حدّ القطيعة ونسف الجسور. فالاعتقاد بهذا النوع من الشفاعة مثل الاعتقاد بتأثير التوبة في الغفران ماهية وأثراً.
ه ـ الأمر بيده سبحانه أوّلاً وآخراً
ما ذكرناه من الوجوه هي مبررات الشفاعة والجهات التعليلية لجعلها في صميم العقائد الإسلامية ، ومع ذلك كلّه فالأمر إليه سبحانه فهو إن شاء أذن في الشفاعة وإن لم يشأ لم يأذن ، وهو القائل سبحانه : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١).
وصفوة القول : أنّ الشفيع إنّما يشفع بإذنه ، وفي إطار مشيئَته ، وتحت الشروط التي يرتضيها ؛ إذ هو الذي يبعثُ الشفيعَ على أن يشفع في حقّ المشفوع له. وعند ذلك فلا تستلزم شفاعة الشافعين خروج الأمر عن يده ، وتحديد سلطته (تعالى) وملكه.
__________________
(١) فاطر : ٢.