وفي الختام نقول : أين ما ذكره صاحب العمدة ممّا ذكره الشيخ صالح بن محمد العمري (المتوفّى ١٢٩٨ ه) حيث قال : إنّ المعروف عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعند سائر العلماء المسلمين : أنّ حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نصّ كتاب الله تعالى أو سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآله وجب نقضه ومنع نفوذه ، ولا يعارض نصّ الكتاب والسنّة بالاحتمالات العقليّة والخيالات النفسيّة ، والعصبيّة الشيطانية بأن يقال : لعلّ هذا المجتهد قد اطّلع على هذا النصّ وتركه لعلّة ظهرت له ، أو أنّه اطّلع على دليل آخر ، ونحو هذا ممّا لهج به فرق الفقهاء المتعصّبين ، وأطبق عليه جهلة المقلّدين (١).
٢ ـ تعزيرهم على ما تعدّوا به حدود الله :
لم يكن الهدف من تنفيذ الطلاق ثلاثاً في مجلس ، إلّا عقابهم من جنس عملهم ، وتعزيرهم على ما تعدّوا حدود الله ، فاستشار أُولي الرأي ، وأُولي الأمر وقال : إنّ الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم؟ فلمّا وافقوه على ما اعتزم أمضاه عليهم وقال : أيّها الناس قد كانت لكم في الطلاق أناة ، وأنّه من تعجّل أناة الله ألزمناه إيّاه(٢).
لم أجد نصّاً فيما فحصت في مشاورة عمر أُولي الرأي والأمر ، غير ما كتبه إلى أبي موسى الأشعري بقوله : «لقد هممت أن أجعل إذا طلّق الرجل امرأته ثلاثاً في مجلس أن أجعلها واحدة ...» (٣) وهو يخبر عن عزمه وهمّه ولا يستشيره ، ولو كانت هنا استشارة كان عليه أن يستشير الصحابة من المهاجرين والأنصار
__________________
(١) إيقاظ همم أُولي الأبصار : ص ٩.
(٢) أحمد بن حنبل ، المسند ١ : ٣١٤ / ح ٢٨٧٧ ، وقد مرّ تخريج الحديث أيضاً. لاحظ نظام الطلاق في الإسلام لأحمد محمد شاكر : ٧٩.
(٣) كنز العمال ٩ : ٦٧٦ / ٢٧٩٤٣.