نعم ، هذه ـ كما قلنا ـ ليست ضابطة أصلية في سعادة الإنسان في دنياه وأُخراه ، وليس له أن يعتمد عليها ويتّخذها سنداً ، وإن كان أمراً صحيحاً في نفسه ، وليس كل أمر صحيح يصح أن يعتمد عليه الإنسان ويعيش عليه كشفاعات الأنبياء والأولياء ، فلا يجوز ترك العمل بحجة أنّهم يشفعون.
الشبهة الثالثة
دلّت السنّة على أنّ الإنسان ينقطع عملُه بعد موتهِ إلّا عن أُمور ثلاثة ؛ إذ يقولصلىاللهعليهوآله :
«إذا ماتَ الإنسان انقطع عملُه إلّا من ثلاث : صدقةٍ جاريةٍ ، أو علمٍ يُنتفع به ، أو ولدٍ صالح يدعو له» وليس عمل الغير أحد هذهِ الأُمور الثلاثة ، فلا ينتفع به.
يلاحظ عليه :
أنّ الحديث يدلّ على أنّ عمل الإنسان ينقطع بموته إلّا عن ثلاثة ، ولا يدلّ على أنّه لا ينتفع بشيء من غير هذه الثلاثة ، وكم فرق بين القول بالانقطاع وعدم الانتفاع ؛ فإنّ الأوّل ناظر إلى الأعمال التي يقوم بها الإنسان في حال حياته ؛ فإنّها تنقطع بالموت بالضرورة إلّا ما كان له وجود استمراري كالأُمور الثلاثة ، وأمّا الثاني فهو تعبير أعمّ ممّا يقوم به الإنسان بنفسه ، أو يقوم به الغير ، فلا ينفي الحديث انتفاع الإنسان بعمل قام به الغير وأهدى ثوابَه إليه.
بعبارة أُخرى : الموضوع في الحديث هو الأعمال التي للإنسان فيها دور مباشر ، أو تسبيباً كالولد ، وأَمّا الأعمال الخارجة عن هذا الإطار ، التي ليست للإنسان فيها أية مدخلية إلّا بإيجاد الأرضية الصالحة فهي خارجة عن موضوع الحديث.