ومن المعلوم أنّ المحتفلين المسلمين يعتقدون أنّ النبيّ الأكرم عبد من عباد الله الصالحين ، وفي الوقت نفسه هو أفضل الخليقة ، ونعمة من الله إليهم ، فلأجل تكريمه يقيمون الاحتفال أداءً لشكر النعمة.
ب ـ لم يحتفل السلف بمولد النبي
قال ابن تيمية : إنّ هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له ، وعدم المانع منه ، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف ـ رضي الله عنهم ـ أحقّ به منّا ، فانّهم كانوا أشدّ محبّة لرسول الله صلىاللهعليهوآله وتعظيماً له منّا ، وهم على الخير أحرص (١).
يلاحظ عليه : بما تعرّفت عليه في المبحث الرابع من أنّ المقياس في السنّة والبدعة هو الكتاب والسنّة وإجماع المسلمين أو السيرة العملية المتّصلة بعصر النبيّ ، وأمّا غير ذلك فليس له وزن ولا قيمة ما لم يعتمد على هذه الأُصول الأربعة ، ولم يكن السلف أنبياء ولا رسلاً ، وليس الخلف بأقلّ منهم ، بل الجميع أمام الكتاب وأمام السنّة سواسية ، فلو كان هناك دليل من الكتاب والسنّة على جواز الاحتفال ؛ فترك السلف لا يكون مانعاً ، على أنّ ترك السلف لم يكن مقارناً بتحريم الاحتفال أو كراهيّته فغاية ما هناك أنّهم لم يفعلوا ، وقد أمر الله بما في هذه الآية : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (٢) ولم يقل في حقّ النبي «وما تركه فانتهوا عنه» فكيف الحال في حقّ السلف؟!
ج ـ إنّها مضاهاة للنصارى في ميلاد المسيح
يقول ابن تيمية : وكذلك ما يحدثه بعض الناس إمّا مضاهاة للنصارى في ميلاد المسيح عليهالسلام ، وإمّا محبّة للنبي وتعظيماً له والله قد يثيبهم على هذه المحبّة والاجتهاد لا
__________________
(١) اقتضاء الصراط المستقيم : ص ٢٩٣ ـ ٢٩٤.
(٢) الحشر : ٧.