وذلّ كل شيء لديه ، وبذلك يُصبح معنى قوله سبحانه : (لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) رفضاً لعقيدة المشركين التي أشار إليها سبحانه في آية سابقة ، أعني : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ) (١) ، فيكون المراد أنّ كل شفاعة فانّها مملوكة لله فانّه المالك لكل شيء ومنه شفاعتهم ، فلا يشفع أحد إلّا بإذنه.
فهنا شفاعتان : إحداهما لله ، والأُخرى لعباده المأذونين. فما لله فمعناها : مالكيّته لكل شفاعة مأذونة بالأصالة لا أنّه سبحانه يشفع لأحد لدى أحد. وأما ما لعباده المأذونين ، فهي شفاعتهم لمن ارتضاه سبحانه : وسنوافيك توضيحه في الصنف السادس من الآيات.
٦ ـ الصنف السادس : يثبت الشفاعة لغيره سبحانه بشروط
إنّ هذا الصنف من الآيات يصرّح بوجود شفيع غير الله سبحانه وأن شفاعته تقبل عند الله تعالى في إطار خاص وشرائط معيّنة في الشفيع والمشفوع له. وهذه الآيات وإن لم تتضمن أسماء الشفعاء ، أو أصناف المشفوع لهم ، إلّا أنّها تحدّد كلّاً منهما بحدود واردة في الآيات :
أ ـ (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (٢).
ب ـ (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) (٣).
ج ـ (لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (٤).
والضمير في قوله (لا يَمْلِكُونَ) يرجع إلى الآلهة التي كانت تعبد ، وأُشير إليه
__________________
(١) الزمر : ٤٣.
(٢) البقرة : ٢٥٥.
(٣) يونس : ٣.
(٤) مريم : ٨٧.