المبحث الرابع
الابتداع في تفسير البدعة
لقد ارتحل النبيّ الأكرم إلى الرفيق الأعلى بعد أن أكمل الشريعة وبيّن جليلها ودقيقها وما تحتاج إليه الأُمّة إلى يوم القيامة ، قال سبحانه : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (١) وحفاظاً على دينه وصيانته من التحريف والتبديل ، أمر التمسّك بالثقلين. ولم يرضَ للأُمّة غيرهما لئلّا يكون الدين أُلعوبة بأيدي المغرضين والطامعين. والمقياس في تميّز البدعة عن السنّة هو الرجوع إلى الثقلين سواء أفسر بالكتاب والعترة ، كما هو المتضافر ، أم بالكتاب والسنّة ، كما رواه الإمام مالك في الموطأ بسند مرسل (٢) ، والحديثان متقاربا المضمون ؛ لأنّ العترة لا تنشد إلّا السنّة النبويّة ، التي أخذوها كابر عن كابر إلى أن تصل إلى النبيّ الأكرم ، فما وافقهما فهو سنّة وما خالفهما فهو بين معصية وبدعة ، مع الفرق الواضح بينهما ؛ فلو أُذيعت الفكرة أو شاع العمل بين الناس بها فتصير بدعة ، وإن اكتُفي بها من دون دعوة وإشاعة فهي معصية.
__________________
(١) المائدة : ٣.
(٢) الموطّأ : ٦٤٨ / ١٦١٩.