من موانع المعرفة الصحيحة ، فبما أنّ القائل يقتفي أثر من يقول لا يصح التوسّل بدعاء النبي الأكرم في البرزخ ، فقد أراد نحتَ دليل لقوله ، ففسّر البرزخ في الآية بمعنى المانع عن الاتصال لا المانع عن انتقال أهل البرزخ إلى الدنيا ، فكأنّه يصوّر أنّ بين الحياتين ستاراً حديدياً أو جداراً ضخماً يمنع من اللقاء والسماع ، وليس لما يتخيّله دليل ، بل الدليل على خلافه ، ترى أنّه سبحانه يحكي عن ماء البحرين أحدهما عذب فرات والآخر ملح أُجاج ثمّ يقول : (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) أي مانع يمنع عن اختلاط الماءين ، يقول سبحانه : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) (١) ولم يكشف العلم عن وجود سدّ مادّي بين البحرين.
الشبهة الثانية
إنّ الله سبحانه يقول : «وأن ليسَ للإنسانِ إلّا ما سَعَى» (٢) فالآية تحصر الانتفاع في العمل الذي سعى فيه الإنسان قبل موته ، ومعه كيف ينتفع بعمل الغير الذي لم يسع فيه؟
والجواب على هذه الشبهة من وجوه متعددة ، ولكنّنا نذكر قبل الجواب ما يفيد القارئ في المقام ، وهو : أنّه لو كان ظاهر الآية هو ما يرومه المستدل وهو : أنّ الغير لا ينتفع بعمل الغير ما لم يكن قد تسبب إليه في الحياة ، لعارَض هذا ظاهر الآيات الأُخر والروايات المتضافرة في ذلك المجال ؛ إذ لو كان كذلك فما معنى استغفار المؤمنين لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان؟! وما معنى استغفار حملة العرش ومن حوله لأهل الإيمان؟! وما معنى هذه الروايات الواردة في مجالات مختلفة ، الدالة على انتفاع الميت بعمل الغير؟
__________________
(١) الرحمن ١٩ ـ ٢٠.
(٢) النجم : ٣٩.