ولعلّ استمرار النبيّ على هذا العمل كان مقترناً لمصلحة تدفعه إلى السفر إلى قبا والصلاة فيه مع كون الصلاة فيه أقلّ ثواباً من الثواب في مسجده.
دراسة كلمة ابن تيمية في النهي عن شدّ الرحال
إنّ لابن تيمية في المقام كلمة فيها مغالطة واضحة ؛ إذ مع أنّه قدّر المستثنى منه لفظ المساجد ، إلّا أنّه استدلّ على منع شدّ الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين بمدلوله أي القياس الأولوي ، فقال في الفتاوى :
«فإذا كان السفر إلى بيوت الله غير الثلاثة ليس بمشروع باتّفاق الأئمة الأربعة ، بل قد نهى عنه الرسول صلىاللهعليهوآله فكيف بالسفر إلى بيوت المخلوقين الّذين تتّخذ قبورهم مساجد وأوثاناً وأعياداً ، ويشرك بها ، وتدعى من دون الله ، حتّى أنّ كثيراً من معظّميها يفضّل الحجّ إليها على الحج إلى بيت الله» (١).
ولو صحّ ذلك النقل عن ابن تيمية ففي كلامه أوهام شتى إليك بيانها :
١ ـ قال : «إذا كان السفر إلى بيوت الله غير الثلاثة ليس بمشروع».
يلاحظ عليه : من أين وقف على أنّ السفر إلى غير المساجد الثلاثة محرّم؟! وقد عرفت أنّ النهي ليس تحريمياً مولوياً ، وإنّما هو إرشاد إلى عدم الجدوى ، ولأجل ذلك لو ترتّبت على السفر مصلحة لجاز كما عرفت في سفر النبيّ إلى مسجد قبا مراراً.
٢ ـ نسب عدم المشروعية إلى الأئمة الأربعة ، إلّا أنّنا لم نجد نصّاً منهم على التحريم ، ووجود الحديث في الصحاح لا يدلّ على أنّهم فسّروا الحديث بنفس ما فسّر به ابن تيمية.
__________________
(١) الفتاوى كما في كتاب البدعة للدكتور عبد الملك السعدي : ص ٦١.