الأُخرى لا تختلف من حيث الفضيلة ، فالمساجد الجامعة كلّها متساوية في الفضيلة ، فمن العبث ترك الصلاة في جامع هذا البلد والسفر إلى جامع بلد آخر مع أنّهما متماثلان.
وفي هذا الصدد يقول الغزالي : «القسم الثاني ، وهو أن يسافر لأجل العبادة إمّا لحجٍّ أو جهاد ... ويدخل في جملته زيارة قبور الأنبياء عليهمالسلام وزيارة قبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء ، وكلّ من يُتبرَّك بمشاهدته في حياته يُتبرك بزيارته بعد وفاته ، ويجوز شدّ الرحال لهذا الغرض ، ولا يمنع من هذا قوله صلىاللهعليهوآله : «لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا ، والمسجد الحرام ، والمسجد الأقصى» ، لأنّ ذلك في المساجد ؛ فانّها متماثلة (في الفضيلة) بعد هذه المساجد ، وإلّا فلا فرق بين زيارة قبور الأنبياء والأولياء والعلماء في أصل الفضل ، وإن كان يتفاوت في الدرجات تفاوتاً عظيماً بحسب اختلاف درجاتهم عند الله (١).
يقول الدكتور عبد الملك السعدي : إنّ النهي عن شدّ الرحال إلى المساجد الأُخرى لأجل أنّ فيه إتعاب النفس دون جدوى أو زيادة ثواب ؛ لأنّها في الثواب سواء ، بخلاف الثلاثة ؛ لأنّ العبادة في المسجد الحرام بمائة ألف ، وفي المسجد النبوي بألف ، وفي المسجد الأقصى بخمسمائة فزيادة الثواب تُحبِّب السفر إليها ، وهي غير موجودة في بقية المساجد(٢).
والدليل على أنّ السفر لغير هذه المساجد ليس أمراً محرّماً ، ما رواه أصحاب الصحاح والسنن : «كان رسول الله يأتي مسجد قبا راكباً وماشياً فيصلّي فيه ركعتين» (٣).
__________________
(١) إحياء علوم الدين ٢ : ٢٤٧ ، كتاب آداب السفر ، ط دار المعرفة ـ بيروت.
(٢) البدعة : ٦٠.
(٣) مسلم ، الصحيح ٤ : ١٢٧ ؛ البخاري ، الصحيح ٢ : ٧٦ ؛ النسائي ، السنن ٢ : ١٣٧ ، المطبوع مع شرح السيوطي.