الآية الثانية :
اتّخاذ المساجد على قبور المضطهدين في سبيل التوحيد
يذكر سبحانه قصة أصحاب الكهف ، وأنّهم اعتزلوا قومَهم للحفاظ على عقيدتهم ودينهم ، حتّى وافاهم الأجل وهم في الكهف ، وقد أعثر الله عليهم قوماً بعد ثلاثة قرون وأطلعهم عليهم ، يقول سبحانه : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) (١).
ومعنى الآية أنّا أعثرنا على أصحاب الكهف أهلَ تلك المدينة ليعلموا أنّ وعد الله بالبعث حقّ ، فإنّ بَعْثَ هؤلاء بعد لَبْثهم في كهفهم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً دليل على إمكان الحياة الثانوية ، ليعلموا أنّ الساعة لا ريب فيها.
ثمّ إنّ القوم الذين أعثرهم الله على أجسادهم اتّفقوا على تكريمهم ، ولكن اختلفوا في طريقة التكريم ، كما يقول سبحانه : (إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) ، فظاهرُ المنازعة هو ما جاء بعد هذه الجملة بضميمة لفظة الفاء ، فقال جماعة : (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) ، أي اجعلوا عليهم بنياناً كبيراً ، ويدلّ على الوصف تنكير (بُنْياناً) ، وقد صرّح الجوهري وابن منظور بأنّ البنيان بمعنى الحائط (٢) ، ولذلك فسّره القاسمي بقوله : أي باب كهفهم بنياناً عظيماً كالخانقاهات (٣) والمشاهد
__________________
(١) الكهف : ٢١.
(٢) الصحاح ٦ : ٢٢٨ مادة بناء ؛ لسان العرب ١ : ٥١٠ تلك المادة.
(٣) الخانقات كلمة فارسية مفردها : خانقاه وتعني محلّ اجتماع الصوفيّين والدراويش. (لغت نامه ٢٠ : ١٦٩ بالفارسية).