ولا يخفى على الأئمة ظهور الحديث في الدلالة على عدم الجدوى ، لا كون العمل محرّماً.
٣ ـ أنّ عدم جواز السفر إلى غير المساجد الثلاثة لا يكون دليلاً على عدم جوازه إلى (بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (١) إذ لا ملازمة بينهما ؛ لأنّه لا تترتّب على السفر في غير مورد الثلاثة أية فائدة سوى تحمّل عناء السفر ، وقد عرفت أنّ فضيلة أيّ جامع في بلد ، نفسها في البلد الآخر ، وليس اكتساب الثواب متوقّفاً على السفر ، وهذا بخلاف المقام ؛ فإنّ درك فضيلة قبر النبيّ يتوقّف على السفر ، ولا يدرك بدونه.
٤ ـ يقول : «إنّ المسلمين يتّخذون قبور الأنبياء أوثاناً وأعياداً ويشرك بها» (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (٢) أفمن يشهد كلّ يوم بأنّ محمداً عبده ورسوله ، ويكرّمه ويعظّمه ؛ لأنّه سفير التوحيد ومبلّغه ـ أفهل ـ يمكن أن يتّخذ قبره وثناً؟!
٥ ـ يقول : «تدعى من دون الله» إنّ عبادة الغير حرام لا مطلق دعوته ، فعامّة المسلمين حتّى ابن تيمية يقولون في صلاتهم : «السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله وبركاته». والمراد من قوله سبحانه : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (٣) لا تعبدوا مع الله أحداً ، قال سبحانه : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) (٤) فسمّى سبحانه دعوته : عبادة. فإذاً الدعوة على قسمين : دعوة عبادية ؛ إذا كان معتقداً بألوهية المدعوّ بنحو من الأنحاء ، ودعوة
__________________
(١) النور : ٣٦.
(٢) الكهف : ٥.
(٣) الجن : ١٨.
(٤) غافر : ٦٠.