والتحريم لم يكن عملاً شخصياً في الخفاء ، بل إنّ المُبتدع الأوّل قد أحدث فكرة وأشاعها ودعا الناس إليها ، كما كان الحال كذلك في الرهبان والأحبار ، ويشهد على ذلك بوضوح ما رواه مسلم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أُجور من تبعه ، لا ينقص ذلك من أُجورهم شيئاً ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من يتّبعه ، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً» (١).
ويدلّ عليه قول القائل يوم القيامة : «إنّهم قد بدّلوا بعدك» فإنّ تبديل الدين ، ليس عملاً شخصياً بل هو عمل جماعي ، إلى غير ذلك من القرائن الموجودة في الروايات.
الى هنا خرجنا بنتيجتين :
الأُولى : إنّ مصبّ البدعة في الأدلّة هو الدين والشرع.
الثانية : إنّ البدعة لا تنفك عن الدعوة إلى الباطل.
وإليك بيان القيد الثالث.
٣ ـ عدم وجود أصل لها في الدين
العنصر الثالث المقوّم لمفهوم البدعة هو فقدان الدليل على جواز العمل بها ، لا في الكتاب ولا في السنّة ، وذلك ظاهر ؛ إذ لو كان هناك دعم من الشارع للعمل ؛ لما كان أمراً جديداً في الدين أو تدخّلاً في الشرع ، ولأجل ذلك قلنا : إنّ أفضل التعاريف هو قولهم : «إدخال ما ليس من الدين في الدين» أو «إدخال ما لم يُعلم من الدين في الدين».
__________________
(١) لاحظ المبحث الأوّل : نصوص البدعة في الكتاب والسنّة ، الحديث التاسع.