إبراهيم : وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار (١).
إنّ الاحتجاج بهذه الرواية على أنّ الميزان في تمييز البدعة عن السنّة ، هو أنّ كلّ ما حدث في القرون الثلاثة الأُولى ليس ببدعة ؛ وأمّا الحادث بعدها فهو بدعة ؛ باطل بوجوه :
الأوّل : إنّ القرن في اللّغة هو النسل (٢) وهو الأُمّة بعد الأُمّة وبهذا المعنى استعمل في القرآن الكريم ، قال سبحانه : (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) (٣) وبما أنّ المتعارف في عمر كلّ نسل هو الستّون أو السبعون ، يكون المراد ، مجموع تلك السنين التي تتراوح بين ١٨٠ و ٢١٠ وأين هذا من تفسير الحديث بثلاثمائة سنة؟!
الثاني : على الرغم من اختلاف شرّاح الحديث في تفسير الرواية ، إلّا أنّ جميعها لا يستفاد منها ما يتبنّاه الكاتب ، فبعض قال : إنّ المراد من القرن في قوله : «قرني» هو أصحابه ، ومن «الذين يلونهم» أبناءهم ومن «الثالث» أبناء أبنائهم.
وقال آخر : بأنّ قرنه ما بقيت عين رأته ، ومن الثاني ما بقيت عين رأت من رآه ، ثمّ كذلك.
وثالث قال : إنّ قرنه الصحابة ، والثاني التابعون ، والثالث تابعوهم (٤).
وعلى كلّ تقدير تكون المدّة أقلّ من ثلاثة قرون ، حتى لو أخذنا بالقول الأخير الذي هو أعمّ الأقوال وأوسعها. فإنّ آخر من مات من الصحابة هو أبو الطفيل ، وقد اختلفوا في تاريخ وفاته على أقوال : فقيل : أنّه توفّي سنة ١٢٠ أو
__________________
(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ : ٦ باب فضائل أصحاب النبي ؛ صحيح مسلم بشرح النووي ٨ : ٨٤ ـ ٨٥.
(٢) لسان العرب ١٣ : ٣٣٣ مادة «قران».
(٣) الأنعام : ٦.
(٤) صحيح مسلم ، شرح النووي ١٦ : ٨٥.