أشياء اخر ؛ مثلها شكلاً وغيرها حقيقة.
فعملية التغيّر في جسمه مستمرة ؛ ولا زالت الخلايا تتلف وتُستعاض بأُخر ، ولكن الإنسان يرى نفسه ثابتاً في مهبّ تلك التحوّلات ، فكأنَّ هناك أمراً ثابتاً طيلة سبعين عاماً يحمل تلك التحولات ، فهو يشعر في جميع مراحل حياته أنه هو الإنسان السابق الذي وجد منذ عشرات السنين.
نفترض أنّ إنسانا جنى وله من العمر عشرون عاماً ، ولم يقع في قبضة السلطات إلى أن ألقت القبض عليه وله من العمر ستون عاماً ، فعند ذلك يقف في قفص الاتّهام ليُحاكم على جرمه ، فإذا به محكوم بالإعدام على ما جنت يداه بقتله أُناساً أبرياء ، فلا القاضي ولا الحاضرون في جلسة المحكمة يرون الحكم الصادر بحقّه جائراً ، بل يراه الجميع أنّه وفق العدالة.
ولو كان الإنسان عبارة عن جسم مادي ، فقد تغيّرت خلاياه مرات عديدة طيلة تلك الأعوام ، لكنّ الحاضرين والقاضي وكل سامع ، يرى أنّه نفس ذلك الإنسان الجاني ، فما هذا إلّا لأنّ هناك حقيقة ثابتة في دوّامة المتغيّرات ، لم يطرأ عليها أيّ تغيير ، بل بقيت محفوظة مع كل هذه التبدّلات ، وإذا كان التغيّر من صفات المادة ، والثبات والدوام من صفات الموجود غير المادّي ، نستكشف من ذلك أنّ واقع الإنسان غير مادّي وثابت في جميع الحالات ، وهذا ما نعبّر عنه بالروح المجرّدة ، أو النفس المجرّدة.
ولا يخفى أنّ هذا البرهان غير البرهان السابق ، فمنطلق الأوّل هو وجود الموضوع لجميع المحمولات ، ومنطلق البرهان الثاني هو ثبات الموضوع في دوّامة التحوّلات والتغيرات الطارئة على البدن.
وفي النهاية نقول : قد لخص الرازي هذا البرهان في تفسيره وقال : إنّ أجزاء هذا الهيكل أبداً في النموّ والذبول ، والزيادة والنقصان ، والاستكمال والذوبان ، ولا