فأسرع عبد المطلب نحو (١) منزل آمنة فإذا هو بطيور ساقطة على حيطان الدار وسحابة بيضاء قد أظلت الدار بأجمعها ، فلما دنا من الباب لم يطق الدخول من لمعان النور ، فقرع الباب قرعا خفيفا.
فقالت آمنة بخفي من صوتها : من هذا؟
قال : أنا عبد المطلب ، افتحي (٢) واعجلي قبل أن تتفقأ مرارتي وتتصدع كبدي.
فوثبت آمنة وفتحت ودخل عبد المطلب فنظر إلى وجهها ففقد النور الذي بين عينيها فضرب بيده إلى ثوبه ليشقه ، وقال : ويحك يا آمنة أنائم أنا أم يقظان؟
قالت : بل يقظان ، فما قصتك؟
قال : ويحك يا آمنة أنا منذ الليلة في خوف ورعب فخبريني ما حال النور؟
قالت : قد وضعت غلاما.
قال : وأين وضعتيه ، ولست أرى عليك أثر النفاس؟
قالت : إن هذه الطيور التي ترى قد أطلت الدار لتنازعنيه منذ وضعته.
قال عبد المطلب : ويحك فهلمّيه حتى أنظر إليه.
قالت : إنه حيل بينك وبينه.
فاشتد على عبد المطلب وقال : لئن لم تحرجيه لأقتلن نفسي ، أتمنعيني من ولدي وولد ولدي.
قالت : هو في ذلك المخدع فشأنك به.
فوثب عبد المطلب ليدخل فصاح به صائح بصوت هائل : ارجع لا سبيل لك ، ولا لأحد من الآدميين إلى هذا المولود حتى تنقضي عنه زيارة الملائكة (٣).
__________________
(١) في (ب) : إلى.
(٢) نهاية صفحة [١٣ ـ أ].
(٣) انظر الأمالي الاثنينية (خ).