بقطرة من لبن ، «ونحن» (١) في سنة شهباء ، قد جاع الناس فيها حتى خلص النهم (٢) الجهد ، ومعي ابن لي والله ما ينام ليلنا ، ولا أجد في ثدييّ شيئا أعلّله به ، إلّا أنا نرجوا الغيث ، وكانت لنا غنم فنحن نرجوها ، فلما قدمنا مكة ما بقي منا أحد إلّا عرض عليها رسول الله فكرهناه وقلنا : إنه يتيم ، وإنما يكرم الظئر (٣) ، ويحسن الوالد ، فقلنا : ما عسى أن تصنع لنا أمه أو عمه أو جده فكلّ صواحبي أخذت رضيعا ، ولم أجد شيئا.
فقلت لصاحبي : إني والله آخذ هذا اليتيم من بني عبد المطلب فعسى الله أن ينفعنا به ، ولا أرجع من بين صواحبي لا آخذ شيئا.
قال : أصبت ، فأخذته (٤).
قال ابن إسحاق في حديث غيره : فجاءني عبد المطلب بن هاشم يخطر في حلته ، فقال :
معاشر المراضع هل بقي منكن أحد «من الركب لم تأخذ رضيعا» (٥)؟
فقلت : أنا.
«فقال : تأخذي ولدي هذا» (٦)!
فقلت : نعم ، فأخذته ، فو الله ما هو إلّا أن حملته على تلك الأتان الرزوم ، فلقد كنت لا أقدر على لزمها من النهوض حتى أن النّسوة ليقلن : أمسكي علينا ، هذه أتانك التي خرجت عليها؟
__________________
(١) ساقط في (أ، د).
(٢) النهم : لفظ مذكر : النهمة ، وهي : الحاجة والشهوة في الشيء ، والمعنى : أن الحاجة والشهوة للأكل قد خلصت ـ أي : أتمها الجهد والإعياء من شدة الجوع.
(٣) ظاءرت المرأة مظاءرة : أخذت ولدا ترضعه.
(٤) الخبر أورده كاملا ابن هشام في السيرة النبوية (١ / ١٧١ ـ ١٧٢) ، وابن إسحاق في المبتدأ والمبعث والمغازي ص (٢٦ ـ ٢٨). دلائل النبوة والبيهقي في (١ / ١٣٣ وما بعدها) ، ودلائل أبي نعيم (١١١ ـ ١١٣) ، والوفاء لابن الجوزي (١ / ١٠٨) ، والبداية والنهاية (٢ / ٢٧٣).
(٥) ساقط في (ب).
(٦) ساقط في (ب).