[ثالثا : صفة مجلسه (ص)]
قال : فسألته (١) عن مجلسه؟
فقال : كان رسول الله لا يجلس ولا يقوم إلّا عن ذكر ، لا يوطن الأماكن (٢) ، وينهى عن إيطانها ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي المجلس ، ويأمر بذلك ، ويعطي كل جلسائه نصيبه ، ولا يحسب أن أحدا أكرم عليه من جلسائه منه ، من جالسه أو أقامه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ، ومن سأله حاجة لم ينصرف إلّا بها أو بميسور من القول ، قد وسع الناس منه قسطه وخلقه ، فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء ، مجلسه مجلس حكم وحياء وصبر وأمانة ، لا ترفع فيه الأصوات ، ولا يؤبن فيه الحرم (٣) ولا تثنى فلتاته ، متعادلين يتفاضلون بالتقوى ، متواضعين ، يوقرون فيه الكبير ، ويرحمون فيه الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون الغريب.
[رابعا : صفة سيرته (ص)]
قال : قلت : كيف كانت سيرته في جلسائه؟
فقال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ولا غليظ ، ولا صخّاب (٤) ولا فحّاش ولا غياب ولا مزّاح ، يتغافل عما يشتهي ، فلا يؤيس منه ولا يجيب فيه ، قد منع نفسه من ثلاث : من المراء ، والإكثار ، وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ولا يعيّره ، ولا يطلب عثراته.
__________________
(١) نهاية الصفحة [٥٣ ـ أ].
(٢) أي لا يتخذ لمصلاه موضعا معلوما وقد ورد نهيه عن هذا مفسرا في غير هذا الخير.
(٣) قوله : لا يؤبن فيه الحرم ، أي : لا يذكرون عنده بسوء. ولا تثنى فلتاته أي : لا يتحدث بها أي لم تكن منه فلتة وإن كانت من أحد سترت.
(٤) الصخاب : كثير الصياح ، ووردت في دلائل النبوة للبيهقي «سخاب» ، وصخب في البيت فهو صخب هو اختلاط الأصوات ، وقد صخب فلان يصخب فهو صخب وصاخب ونقول : ما هو صاحب إنما هو صاخب ، ينظر : أساس البلاغة للزمخشري ، مادة : صخب.