أسلم منهم فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش والرمضاء إذا اشتد الحر ، وكانت بنو مخزوم تخرج بعمار بن ياسر وأبيه وأمه إذا حميت الظهيرة ، فيعذبونهم برمضاء مكة ، فيمرّ بهم رسول الله فيقول : «صبرا آل ياسر موعدكم الجنة» (١).
فأمّا أمه فكانت تأبى إلّا الإسلام فقتلوها ، فلما رأى رسول الله ما يصيب أصحابه من البلاء وما هو فيه من العافية لمكانه من الله ـ عزوجل ـ ومن عمه أبي طالب ، قال لهم : «لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يظلم أحد عنده حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه» (٢) ، فخرج المسلمون ، وكانت أول هجرة ، فكان عشرة أول من خرج (٣) ، ثم خرج جعفر بن أبي طالب عليهالسلام ، ومعه امرأته أسماء بنت عميس الخثعمية (٤) ، وولدت له عبد الله بن جعفر (٥) بأرض الحبشة ، فأحسن النجاشي (٦) جوارهم.
__________________
(١) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ٢٩٣) ، وقال : رواه الطبراني ورجاله ثقات ، كما أخرجه الذهبي في سير أعلام النبلاء (١ / ٤٠٩ ـ ٤١٠) في ترجمة عمار ، وابن حجر في الإصابة في ترجمة عمار أيضا ، والحاكم في المستدرك (٣ / ٣٨٨) وصححه ووافقه الذهبي ، وصاحب منتخب كنز العمال (٥ / ٢٢٩).
(٢) نهاية الصفحة [٧٩ ـ أ].
(٣) كانت الهجرة الأولى إلى الحبشة في رجب سنة خمس من النبوة ، وكانت تتكون من (١٢) رجلا و (٤) نسوة.
(٤) هي أسماء بنت عميس بن معبد بن الحارث الخثعمية أم عبد الله من المهاجرات الأول. قيل : أسلمت قبل دخوله صلىاللهعليهوآلهوسلم دار الأرقم ، هاجر بها زوجها جعفر الطيار إلى الحبشة ، فولدت له هناك : عبد الله ، ومحمدا ، وعونا ، فلما هاجرت معه إلى المدينة سنة سبع واستشهد يوم مؤتة ، تزوج بها أبو بكر فولدت له محمدا ثم تزوج بها الإمام علي عليهالسلام فولدت له يحيى وعونا ، لها حديث في السنن الأربعة ، عاشت بعد الإمام علي. انظر : سير أعلام النبلاء (٢ / ٢٨٢ ـ ٢٨٧) ، ابن سعد (٨ / ٢٨٠ ، ٢٨٥) ، الاستيعاب (٤ / ١٧٨٤) ، أسد الغابة (٧ / ١٤) ، تهذيب التهذيب (١٢ / ٣٩٨ ـ ٣٩٩) ، الإصابة (١٢ / ١١٦) ، شذرات الذهب (١ / ١٥ ، ٤٨).
(٥) هو عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم السيد العالم ، أبو جعفر القرشي الهاشمي الحبشي المولد ، المدني الدار ، الجواد بن الجواد ، ذو الجناحين ، له صحبة ورواية ، روى عن عمه الإمام علي وعن أمه أسماء بنت عميس ، حدث عنه أولاده : إسماعيل ، وإسحاق ، ومعاوية ، وأبو جعفر الباقر ، وغيرهم ، وهو آخر من رأى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وصحبه من بني هاشم ، توفي سنة (٨٠ ه) ، وقيل : (٤ أو ٨٥ ه) وقيل : سنة (٩٠ ه). انظر : سير أعلام النبلاء (٣ / ٤٥٦ ـ ٤٦٢) ، نسب قريش (٨١ ، ٨٢) ، الاستيعاب (٨٨٠) ، أسد الغابة (٣ / ١٩٨) ، تهذيب الأسماء واللغات (١ / ٢٦٣) ، البداية والنهاية (٩ / ٣٣) ، الإصابة (٢ / ٢٨٩) ، تهذيب التهذيب (٥ / ١٧٠) ، شذرات الذهب (١ / ٨٧).
(٦) هو : أصحمة ملك الحبشة معدود في الصحابة ، وكان ممن حسن إسلامه ، ولم يهاجر ، توفي في حياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فصلى عليه بالناس صلاة الغائب ، انظر : سير أعلام النبلاء (١ / ٤٢٨ ـ ٤٤٣) ، نسب قريش (٨١ ، ١٢٣ ، ١٢٤ ، ٢٥١ ، ٣٢٢) ، تاريخ خليفة (٩٣) ، التاريخ الصغير (١ / ٣) ، أسد الغابة (١ / ١١٩) ، تهذيب الأسماء واللغات (٢ / ٢٨٧) العبر (١ / ١٠) ، مجمع الزوائد (٩ / ٤١٩ ـ ٤٢٠) ، الإصابة (١ / ١٧٧) ، كنز العمال (١٤ / ٣٣) ، وصحيح البخاري (المناقب) والنسائي (الجنائز) وبقية كتب الحديث ، سيرة ابن إسحاق (٢٠٠) وما بعدها.