ثم أقبل على عمرو فقال : يا عمرو ما حجتكما؟
قالا : كنا وهم على دين آبائنا وآبائهم فتركوه إلى غيره.
فقال النجاشي : إنما اختاروا لأنفسهم دينا (١) كما اخترتم أنتم عبادة الأصنام.
فقال جعفر عليهالسلام : أتسمع أيها الملك ، كنا وهؤلاء أهل جاهلية جهلاء ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، وكنا لا نعرف معروفا ، ولا ننكر منكرا ، فبعث الله إلينا رسولا ما نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ، ونعبده ، ونخلع ما دونه من الأحجار والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء والفواحش وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنة ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به من الله ، فعدا علينا قومنا ، فخرجنا إليك واخترناك على غيرك ورجونا أن لا نظلم عندك.
فقال النجاشي : هل معك مما نزل من عند الله شيء تقرؤه؟
فقرأ عليه صدرا من كهيعص (٢).
فبكى والله النجاشي (٣) وأساقفته حتى اخضلت لحاهم ومصاحفهم.
فقال النجاشي : هذا والذي جاء به موسى من مشكاة واحدة (٤) انطلقا ، فو الله لا أسلمهم إليكما أبدا ، فلما خرجا من عنده قال عمرو : والله لأستأصلن خضراءهم غدا.
__________________
(١) نهاية الصفحة [٨١ ـ أ].
(٢) أي صدرا من سورة «مريم» وقد أخرج الخبر ابن هشام (١ / ٣٣٤) مطولا وأبو نعيم في الحلية (١ / ١١٥) وسنده صحيح ، وأحمد في المستدرك (١ / ٢٠١) ، (٢٩٠ ـ ٢٩٢) ، مجمع الزوائد (٦ / ٢٤ ـ ٢٧) ، والذهبي في ترجمة جعفر من سير أعلام النبلاء (١ / ٢١٥ ـ ٢١٦) السيرة الحلبية (١ / ٣٣٨ ـ ٣٤١) ، وابن إسحاق في سيرته مصدر سابق ، البداية والنهاية (٣ / ٦٦) وما بعدها.
(٣) في (ب ، ج ، د) : فبكى النجاشي.
(٤) وفي رواية جاء به عيسى من مشكاة واحدة ، انظر السيرة الحلبية (١ / ٣٤١).