[قصة جن نصيبين] (١)
وانصرف يريد مكة ، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي ، فمر به سبعة نفر من جن (٢) أهل نصيبين ، فاستمعوا له ، فلما فرغ ولّوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا ، قال الله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا) [الأحقاف : ٢٩] وقال : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ...) الآيات [الجن : ١] ، ثم قدم مكة فأتاه سويد بن الحارث ، من أشراف أهل الطائف ، فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ألست سويد بن الحارت»؟
قال : بلى.
قال : «يا سويد انزع عن عبادة الأصنام ، يا سويد إن رجلا من قومك يقال له عوف تلسعه رتيلاء (٣) فيموت عند المساء».
ورجع سويد إلى قومه ، فلما كان وقت المساء لسعت ذلك الرجل رتيلاء فقتلته ، فأقبل سويد إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مسلما.
واشتد إسلامه على أهل مكة واعتابوا ، وانصرف سويد يريد الطائف ، فبعث أبو سفيان بن
__________________
(١) قاعدة ديار ربيعة. انظر : الخصائص الكبرى للسيوطي (١ / ١٣٦ ـ ١٤٢) ، الخصائص للبيهقي (٢ / ٢٢٥ ـ ٢٤٧) ، السيرة الحلبية (١ / ٣٥٣) وما بعدها ، معجم البلدان (٥ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩) ، البداية والنهاية (٣ / ١٣٧) وما بعدها ، وينظر معجم القبائل العربية لكمالة (٢ / ٤١٩ ـ ٤٢٦) ، (ربيعة) والظاهر أن قضية إسلام نفر من الجن كانت من أوائل البعثة ؛ إذ تذكر بعض الروايات أنه لما بعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فحيل بين الجن وبين استراق السمع من السماء ، وأرسلت عليهم الشهب ففهموا أن ذلك إنما هو لحدث جرى في الأرض فعادوا إليها ، وبحثوا عن الأمر فوجدوا أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد بعث ، فاستمعوا القرآن ، وآمنوا ، فنزلت الآية : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ ...) الآيات ، وإلى ذلك ذهب ابن كثير أيضا. انظر : الدر المنثور (٦ / ٢٧٠ ، ٢٧٥) عن البخاري ، مسلم ، وعبد بن حميد ، وأحمد ، والترمذي ، والنسائي ، والحاكم ، والطبري ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، تاريخ الخميس (١ / ٣٠٣ ـ ٣٠٤) ، ويقال : إن آيات سورة الأحقاف قد نزلت حين رجوعه من الطائف ، ولكن يدفع ذلك ما في الدر المنثور (٦ / ٤٥) عن مسلم ، وأحمد ، والترمذي ، وعبد بن حميد ، وغيرهم ، الخصائص الكبرى للسيوطي (١ / ١٣٦ ـ ١٤٢) ، الخصائص للبيهقي (٢ / ٢٢٥ ـ ٢٤٧) ، السيرة الحلبية (١ / ٣٥٣) وما بعدها ، وتفسير الطبري ، وتفسير الفخر الرازي ، القرطبي ، ابن كثير (٤ / ٧٠٥) ، فتح القدير للشوكاني ، وتفسير الطبرسي ، زاد المسير ، المصابيح الساطعة الأنوار (١ / ٣٥٦ ـ ٣٦٧) ، تفسير جزء تبارك للعلامة بدر الدين الحوثي (٦٠ ـ ٦٧).
(٢) نهاية الصفحة [٩١ ـ أ].
(٣) تصغير رتلاء ، وهي من الهوام.