أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ) [المائدة : ٨٠] ، وويحهم أنّى لقد زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين ، والطيبين لأهل الدنيا والدين ، (أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) [الزمر : ١٥] ، وما نقموا من أبي حسن نقموا والله نكير سيفه ، ونكال وقعه ، وشدة وطأته وتنمّره في ذات الله ، والله لو تكافئوا على زمام نبذه إليه رسول الله لاعتقله ، ولسار بهم سيرا سجحا ، لا تكلم حشاشته ، ولا تضع راكبه ، ولأوردهم موردا نميرا ، تمير ضفتاه ، ولأصدرهم بطانا ، قد تخيرهم الري ، غير متحل منه بطائل إلّا بغمرة الباهل وردعة سؤر الساغب ، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ، ولكن كذبوا ، وسيعذبهم الله بما كانوا يكسبون ؛ ألا هلمنّ فاسمعنّ وما عشتنّ أراكنّ الدهر عجبا ، إلى أي ركن لجئوا؟ ، وبأي عروة تمسكوا؟ (لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) [الحج : ١٣] ، (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) [الكهف : ٥٠] ، استبدلوا ـ والله ـ الذّنابا بالقوادم ، والعجز بالكاهل فبعدا وسحقا لقوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) [البقرة : ١٢] (١).
__________________
(١) الخطبة المشار إليها هنا ناقصة كثيرا ، وللفائدة نورد الخطبة على النحو التالي : قالت : والله أصبحت عائفة ـ أي قالية لها كارهة ـ لدنياكم ، قالية لرجالكم ، لفظتهم بعد أن عجمتهم ـ أي بلوتهم وخبرتهم ـ وشنئتهم ـ أي أبغضتهم ـ بعد أن سبرتهم ـ أي علمت أمورهم ـ فقبحا لغلول الحد وخور القناة ، وخطل الرأي! وبئسما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ، لا جرم! قد قلّدتهم ربقتها ، وشنت عليهم غارتها فجدعا وعقرا وسخفا للقوم الظالمين! وويحهم! أين زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة ، ومهبط الروح الأمين ، والطيبين بأمر الدنيا والدين؟ ألا ذلك هو الخسران المبين! وما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله نكير سيفه ، وشدّة وطأته ونكال وقعته ، وتنمره في ذات الله ، وتالله لو تكافئوا عن زمام نبذه إليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لاعتقله ، ولسار إليهم سيرا سجحا لا تكلم حشاشته ، ولا بهم الرأي غير متحل بطائن إلّا بغمر الناهل وردعه سورة الساغب ، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ، ألا هلم فاستمع وما عشت أراك الدهر عجبه ، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث إلى أي لجأ استندوا ، وبأي عروة تمسكوا؟ لبئس المولى ولبئس العشير ، ولبئس للظالمين بدلا! استبدلوا والله الذّنابا بالقوم ، والعجز بالكاهل فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) وويحهم! (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)! أما لعمر الله لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ، ثم احتلبوها طلاع العقب دما عبيطا وذعاقا أي مرا ـ ممقرا هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون ، ثم طيبوا عن أنفسكم نفسا ، واطمئنوا للفتنة جأشا ، وأبشروا بسيف صارم وهرج شامل ، واستبداد من الظالمين ، يدع فيئكم زهيدا ، وجمعكم حصيدا ، فيا حسرة عليكم وأنى لكم وقد عمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون! والحمد لله رب العالمين ، وصلاته على محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين ، شرح نهج البلاغة. ابن أبي الحديد (٤ / ٨٣٩ ـ ٨٤٠) ، وانظر أعيان الشيعة (١ / ٣٢٠).