وقال للمقداد بن الأسود (١) : اجمع هؤلاء الرهط إذا (٢) وضعوني في حفرتي حتى يختاروا رجلا.
وقال لصهيب : صلّ بالناس ثلاثة أيام ، وأحضر عبد الله بن عمر ولا شيء له ، وقم على رءوسهم فإن اجتمع خمسة ورضوا برجل وأبى واحد فاشدخ رأسه ، واضربه بالسيف ، وإن اتفق أربعة ورضوا رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رأسيهما ، فإن رضي ثلاثة رجلا وثلاثة رجلا فحكموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا ، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، واقتل الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس (٣).
وخرجوا وتلقى العباس عليا عليهالسلام فقال : لم أر حظك في شيء إلّا رجعت إليّ بما أكره ، أشرت عليك عند وفاة رسول الله أن تعاجل الأمر فأبيت ، ونهيتك حين سماك عمر في
__________________
(١) هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة القضاعي الكندي البهراني صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان من الأولين السابقين ، يقال له : المقداد بن الأسود لأنه ربي في حجر الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبناه ، وقيل : بل كان له عبد أسود اللون فتبناه ، ويقال : بل أصاب دما في كندة فهرب إلى مكة وحالف الأسود ، شهد بدرا فارسا ، حدّث عنه عبد الله بن مسعود وابن عباس وجبير بن نفير وابن أبي ليلى وآخرون ، عاش نحوا من سبعين سنة ، مات في سنة ثلاث وثلاثين ، وأخرج أحمد في مسنده لبريدة قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عليكم بحب أربعة : علي وأبي ذر وسلمان والمقداد» ، قيل : كان سبب موته هو أنه شرب دهن الخروع فمات ، وهذه الرواية فيها نظر ، المشهور المعروف أن المقداد كان علوي الرأي ، وأنه نازعهم لعلي عليهالسلام في هذه القصة وغيرها ، وكان من المشهورين بطلب الأمر لعلي عليهالسلام ، ولعل عمر عرض عليه القيام عليهم طمعا في لين عريكته وأن يسكت ، فلما لم يجد عنده مرارة جعل عليهم أبا طلحة كما في سائر الروايات ، وهذا وجه في التوفيق بين الروايتين أوجبه اشتهار أمر المقداد في ولاية علي عليهالسلام ، وظهور ذلك منه غير متستر ولا مداهن ولا ممال على ظلم الوصي عليهالسلام ولم يعرف منه تحول عن ولايته ولا ميل إلى سواه. والله أعلم. ويدل على ذلك قوله لصهيب : قم على رءوسهم إلى آخره ، انظر : سير أعلام النبلاء (١ / ٣٨٥ ـ ٣٨٩) ، طبقات ابن سعد (٣ / ١ / ١٤٤) ، حلية الأولياء (١ / ١٧٢ ـ ١٧٦) ، الاستيعاب (١٠ / ٢٦٢) ، أسد الغابة (٥ / ٢٥١) ، تهذيب الأسماء واللغات (٢ / ١١١ ـ ١١٢) ، معالم الإيمان (١ / ٧١ ـ ٧٦) ، دول الإسلام (١ / ٢٧) ، العقد الثمين (٧ / ٢٦٨ ـ ٢٧٢) ، تهذيب التهذيب (١٠ / ٢٨٥) ، الإصابة (٩ / ٢٧٣) ، شذرات الذهب (١ / ٣٩).
(٢) نهاية الصفحة [١٢٩ ـ أ].
(٣) الخبر أورده ابن أبي الحديد في شرح النهج (١ / ١٦٢) وما بعدها ، و (١ / ١٨٥) الطبعة (٢) ، وراجع الطبري (٤ / ٢٢٧) وما بعدها ، طبعة دار المعارف.