من هذه الأحاديث ، وكتب إلى عثمان ، فكتب إليه أن احمله على ناب صعبة واجعل وطأه قتبا ، فلم يقلع أبو ذر عن عيبه ، فقال معاوية : ألم أنهك فأبيت؟ قد خرفت وذهب عقلك.
فقال : قد بقي معي من عقلي ما أشهد على رسول الله أنه حدثني أن أحدنا يموت كافرا ، إما أنا وإما أنت يا معاوية (١).
فارتحل أبو ذر حتى قدم المدينة ، وقد سقط لحم أليتيه (٢) وفخذيه ، ومرض مرضا شديدا ، وبلغ عثمان فحجبه عشرين ليلة (٣) ، فلما دخل عليه قال (٤) :
لا أنعم الله بعمرو عينا |
|
تحية السخط إذا التقينا |
فقال أبو ذر : ما سماني الله عمرا ولا أبي ولا أمي ، وإني لعلى العهد الذي فارقت عليه رسول الله ما غيرت ولا بدلت ، فقال عثمان : يا غلام ناد لي قريشا ، فلما دخلوا عليه قال : دعوتكم لهذا الشيخ الذي كذب على نبينا ، وفارق ديننا وضغن المسلمين علينا ، إني رأيت أن أقتله وأصلبه وأنفيه ، فقال بعضهم : رأينا لرأيك تبع ، وقال بعضهم : صاحب رسول الله وشيخ من المسلمين العفو عنه أفضل.
وجاء علي عليهالسلام قال : تنزلونه منزلة مؤمن آل فرعون فإن (يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) [غافر : ٢٨].
قال عثمان : بفيك التراب وسيكون به (٥) ، وقال عثمان : قوموا ، وأمر مناديه فنادى في
__________________
(١) انظر : شرح النهج (٨ / ٢٥٧) وما بعدها.
(٢) في شرح نهج البلاغة (وقد سقط لحم فخذيه من الجهد) شرح النهج (٨ / ٢٥٨).
(٣) نهاية الصفحة [١٣٥ ـ أ].
(٤) في رواية الواقدي أن أبا ذر لما دخل على عثمان قال : له :
لا أنعم الله بقين عينا |
|
نعم ولا لقاه يوما زينا |
تحية السخط إذا التقينا |
شرح النهج (٨ / ٢٥٨).
(٥) في شرح النهج : (فأجابه عثمان بجواب غليظ وأجابه علي عليهالسلام بمثله ، ولم نذكر الجوابين تذمما منهما). شرح النهج (٨ / ٢٥٩).