فأخذوه فسألوه أين تريد؟ قال : مصر ، قالوا : هل معك كتاب؟ قال : لا ، ففتشوه فإذا معه الكتاب ، فرجعوا إلى المدينة ونزلوا بذي خشب (١) وسمع المسلمون بذلك بعد أن انصرفوا فنفروا إليه ، فلما رأى أنهم نزلوا به ، أرسل إلى علي عليهالسلام يناشده الله لما كفهم عنه ، فقال عليهالسلام : لا أرى القوم يقبلون منك إلا ترك أمرهم أو يقتلونك.
فلم يزل يطلب إليه بأنه يتوب في ثلاثة أيام من كل ذنب ، ويقيم كل حد ، فإن لم يفعل فدمه مباح ، فكتب علي عليهالسلام عليه بذلك كتابا وأشهد عليه وأجله القوم (٢) ثلاثا ، فلم يصنع شيئا ، وسار عمرو بن حزم الأنصاري (٣) إلى ذي خشب ، فأخبر أنه لم يصنع شيئا ، فقدموا وأرسلوا إليه : ألم تزعم أنك تتوب؟
قال : بلى.
قالوا : فما هذا الكتاب الذي كتبته فينا.
قال : لا علم لي به.
قالوا : بريدك وجملك وكتاب كاتبك.
قال : الجمل مسروق ، والخط قد يشبه الخط ، والخاتم قد ينقش عليه.
قالوا : لا نأخذك به إن أقمت الحدود ورددت المظالم ، وعزلت المنافقين فأبى ، وقال : ما أرى لي أمرا في شيء ما الأمر إلّا لكم.
قالوا : فاعتزلنا فإن أمرنا ليس بميراث ورثته عن آبائك.
قال : ما أنا بالذي أنزع سربالا كسانيه لله.
قالوا : بلى ، ليس للرجل أن يتأمر على المسلمين (٤) وهم له كارهون ، فأبى ، فحاصره المسلمون أربعين ليلة رجاء توبته ، وطلحة بن عبيد الله يصلي بالناس ، وقد كان حضر الموسم ،
__________________
(١) موضع متصل بالكلاب على مرحلة من المدينة على طريق الشام. انظر : الروض المعطار ص (٢٢٤).
(٢) في (ب) : وأجله القوم بذلك.
(٣) عايش رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمره على أهل نجران ، روى عنه ابنه محمد والنضر بن عبد الله السلمي ، وزياد بن نعيم الحضرمي ، توفي بالمدينة سنة (٥١ ه) ، وقيل : سنة (٥٣ ه) ، انظر : الاستيعاب (٣ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧) ترجمة (١٩٢٩) طبقات ابن سعد (٦ / ٢٣) ، سير أعلام النبلاء (٣ / ٤١٧) ، الإصابة (ت ٥٨٢٦) ، أسد الغابة (ت ٣٩٠٥) ، مروج الذهب (١٨٩٦) ، تهذيب التهذيب (٨ / ١٧) ، شذرات الذهب (١ / ٩٥).
(٤) نهاية الصفحة [١٣٩ ـ أ].