لم ننظر إلى كثرة عدونا وقلة من تبعنا ، صدقا عند اللقاء صبرا عند الموت ، لا نفارق ألويتنا ، ولا ظلال رماحنا (١) ، حتى نمضى إلى ما أمرنا به ، وننتجز ما وعدنا به من ثوابه غير شاكّين ولا مرتابين لا نخشى إلّا الله ، أما والله صدقا وبرا.
أيها الناس لقد ضللتم بخذلانكم لنا ، وصدفكم عن الحق ، فلم تهتدوا بهدينا ، ولم تقتدوا إلّا بغيرنا (٢) ، أثرة للدنيا وحبا لها ، وركونا إليها ، إذ أخرجتم الأمر عن أهله ، وجعلتموه في غير محله ، فأصبحتم في فتن كقطع الليل المظلم ، مع غير إمام هدى (٣) ، ولا علم يرى ، فقد تفرقت جماعتكم بعد ألفتها ، وتصدعت سبلكم بعد انتهائها بإيلاء حكم الظلم والجور والأثرة علينا ، منعتمونا سهمنا ، وما جعله الله في كتابه لنا ، فصار لغيركم ولغيرنا ، يقتدي الخلف منكم بالسلف ، ويولد مولودنا (٤) في الخوف ، وينشأ ناشئنا في الغربة ، والفقر ، ويموت ميتنا بالقتل والذل والصلب ، وأنواع المثلات ، عمل قوم فرعون في بني إسرائيل ، تذبح أبناؤهم لخشية آبائهم ، وتستحيا نساؤهم ، فهذا حالنا فيكم وبين أظهركم ، افتخرت قريش على العرب بأن محمدا قرشي ، وافتخرت العرب على العجم بأن محمدا عربي ، حتى إذا تمت لقريش النعمة ، وللعرب الفضيلة بما سألوا الناس من حقنا أخّرونا ، وتقدموا ، ورأوا لأنفسهم من الفضل علينا ما لم يروه لغيرهم من سائر الناس من حقنا ، وقالوا (٥) : نحن أحق وأولى بتراث نبي الله وسلطانه ، فلا هم أنصفونا من أنفسهم إن كان هذا الأمر للقرابة ؛ إذ كنا أقرب الناس منهم ، ولا أنصفنا الناس إن أجازوا مع القرابة لمن هو أبعد رحما ولعمري لو رجت قريش الظهور في البلاد والتمكن بغير (٦) التوحيد وتصديق محمد الصادق وما أنزل عليه ، والخروج إلى عبادة الأوثان
__________________
(١) في (ب) : أرماحنا.
(٢) في (ب ، ج ، د) : ولم تهتدوا بغيرنا.
(٣) في (أ، ب ، ج) : مع غير إمام فيها.
(٤) في (ب) : مولدنا.
(٥) نهاية الصفحة [٢٥٨ ـ أ].
(٦) في (أ، ب ، ج) : بخلاف.