بأمر الله وأثبت حجته ، وأظهر دعوته ، وإن الله جل ثناؤه خصنا بولادته وجعل فينا ميراثه ووعده فينا وعدا سيفي له به ، فقبضه (١) الله إليه محمودا لا حجة لأحد على الله ولا على رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام : ١٤٩] ، فخلّفه الله جل ثناؤه فينا بأحسن الخلافة ، غذانا بنعمته صغارا ، وأكرمنا بطاعته كبارا ، وجعلنا الدعاة إلى العدل ، القائمين (٢) بالقسط المجانبين للظلم ، ولم نمل مذ وقع الجور طرفة عين من نصحنا لأمتنا ، والدعاء إلى سبيل ربنا جل ثناؤه ، فكان مما خلفته أمته فينا أن سفكوا دماءنا ، وانتهكوا حرمتنا ، وأيتموا صغيرنا ، وقتلوا كبيرنا ، وأثكلوا نساءنا ، وحملونا على الخشب ، وتهادوا رءوسنا على الأطباق ، فلم نكل ولم نضعف ، بل نرى ذلك تحفة من ربنا «جل ثناؤه» (٣) ، وكرامة أكرمنا بها ، فمضت بذلك الدهور ، واشتملت عليه الأمور ، وربى منا عليه الصغير ، وهرم عليه الكبير ، حتى ملك الزنديق أبو الدوانيق ، وقد قال رسول الله : «ويل لقريش من زنديقها ، يحدث أحداثا يغير دينها ، ويهتك ستورها ، ويهدم قصورها ، ويذهب سرورها» (٤).
فسام أمتنا الخسف ، ومنعهم النصف (٥) ، وألبسهم الذل ، وأشعرهم الفقر ، وأخذ أبي عبد الله بن الحسن شيخ المسلمين وزين المؤمنين وابن سيد النبيين صلىاللهعليهوآلهوسلم في بضعة عشر رجلا من أهل بيتي وأعمامي صلوات الله عليهم ورحمته وبركاته : منهم علي بن الحسن بن
__________________
(١) نهاية الصفحة [٣٠٢ ـ أ].
(٢) في (أ، د) : العاملين.
(٣) ساقط في (ب).
(٤) الحديث : أخرجه ابن عساكر في تاريخه ، والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال عن أبي هريرة من حديث طويل ، ولفظ الحديث للفائدة «ويل للعرب من هرج قد اقترب الأجيجة ، وما الأجيجة ، الويل الطويل في الأجيجة ويل للعرب من بعد الخمس والعشرين والمائة من القتل الذريع والموت السريع والجوع الفظيع ، ويسلط عليهم البلاء بذنوبها فتكثر صدورها ويهتك ستورها ويغير سرورها فبذنوبها تنزع أوتادها وتقطع أطنابها وتبختر قراؤها ، ويل لقريش من زنديقها يحدث إحداثا يهتك ستورها وينزع هيبتها ، ويهدم عليها جدورها حتى تقوم النائحات الباكيات ، الباكية تبكي على دينها ، وباكية تبكي من ذلها بعد عزها ، وباكية تبكي من استحلال فرجها ، وباكية تبكي شوقا إلى قبورها ، وباكية تبكي من جوع أولادها ، وباكية تبكي من انقلاب جنودها عليها» ، منتخب كنز العمال (٥ / ٤٥٧).
(٥) النصف : العدل ، والاسم : النّصف والنصفة ، القاموس ص (١١٠٧) مادة (نصف).