واحدة وقد غمّت على العلماء أخبار تلك الخرجات ، والتبست ونحن نوجز أخبارها في ما يلي ليتبيّن لنا الصواب في الأمر.
في صحيح البخاري عن البراء بن عازب ، قال : بعثنا رسول الله (ص) مع خالد بن الوليد إلى اليمن ، قال : ثمّ بعث عليّا بعد ذلك مكانه ، فقال : «مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب» الحديث (١).
وقد روى البيهقي تفصيل هذا الخبر عن البراء قال : إنّ رسول الله (ص) بعث خالد بن الوليد إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام ، قال البراء فكنت في من خرج مع خالد ابن الوليد فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه ، ثمّ إنّ رسول الله (ص) بعث عليّ بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالدا إلّا رجلا كان مع خالد فأحبّ أن يعقب مع عليّ فليعقب معه قال البراء فكنت في من عقب مع عليّ فلمّا دنونا من القوم خرجوا إلينا ثمّ تقدّم فصلّى بنا عليّ ثمّ صفّنا صفّا واحدا ثم تقدّم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله (ص) فأسلمت همدان جميعا ، فكتب عليّ إلى رسول الله بإسلامهم ، فلمّا قرأ رسول الله (ص) الكتاب خرّ ساجدا ثمّ رفع رأسه فقال : «السلام على همدان السلام على همدان» (٢).
وفي عيون الأثر وإمتاع الأسماع بعده واللفظ للإمتاع : فقال : السلام على همدان وكرّر ذلك ثلاثا ، ثم تتابع أهل اليمن على الإسلام (٣).
هذا خبر إحدى الغزوتين ، أورده البخاري مقتضبا ، وأورد غيره تمام الخبر لما في بقية الخبر من انتقاص لمقام الصحابي الشهير خالد بن الوليد مقابل منقبة للإمام علي. وإمام المحدّثين البخاري (رض) يتجنب ذكر ما فيه منقصة لذوي الجاه من الصحابة من فرط غيرته عليهم وتعصّبه لهم.
وخبر الغزوة الثانية في العدد لا في من أورده الواقدي والمقريزي وابن سيده وهذا موجز خبره : بعث النبيّ عليا مع ثلاثمائة إلى أرض مذحج وكانت خيله أوّل خيل دخلت تلك البلاد ففرّق أصحابه فأتوا بنهب وسبي ، ثمّ لقي جمعا فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا في أصحابه فحمل عليهم وقتل منهم عشرين فارسا ، فانهزموا فلم
__________________
(١) البخاري ٣ / ٥٠ وكتاب المغازي ، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن.
(٢) عيون الأثر ٢ / ٢٧٢ باب سرية علي بن أبي طالب ، والإمتاع ص ٥١٠.
(٣) نقل الخبر ابن كثير في ٥ / ١٠٥ من تاريخه ، باب بعث رسول الله (ص) علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن.