ثم قال : فهذا أولى أن يتّبع من رأي رآه عمر (١).
وفي مكان آخر أورد الروايات التي جاء فيها أنّ فسخ الحجّ خاصّ بأصحاب رسول الله ، ثمّ استشهد على بطلانها بأنّ سراقة قال لرسول الله حين أمرهم بفسخ الحجّ في عمرة : يا رسول الله! ألعامنا هذا أم لا بد؟ فقال : بل لأبد الأبد.
ثم قال : فبطل التخصيص والنسخ وأمن من ذلك أبدا. والله أنّ من سمع هذا الخبر ثمّ عارض أمر رسول الله (ص) بكلام أحد ولو أنّه كلام أمّيّ المؤمنين حفصة وعائشة وأبويهما (رض) لهالك فكيف بأكذوبات كنسيج العنكبوت الّذي هو أو هن البيوت عن الحارث بن بلال و... الذين لا يدرى من هم في الخلق. وليس لأحد أن يقتصر بقوله (ع) : «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة» على أنّه أراد جوازها في أشهر الحجّ دون ما بينه جابر وابن عبّاس من إنكاره (ع) أن يكون الفسخ لهم خاصّة أو لعامهم دون ذلك ، ومن فعل ذلك فقد كذب على رسول الله جهارا.
قال : وأتى بعضهم بطامّة وهي أنّه ذكر الخبر الثابت عن ابن عباس أنّهم كانوا يرون العمرة في أشهر الحجّ من أفجر الفجور في الأرض فقال قائلهم : إنما أمرهم (ع) بذلك ليوقفهم على جواز العمرة في أشهر الحجّ قولا وعملا. وهذه عظيمة أوّل ذلك أنّه كذب على النبيّ في دعواهم إنّما أمرهم بفسخ الحجّ في عمرة ليعلمهم جواز العمرة في أشهر الحجّ ثم يقال لهم هبك لو كان ذلك ومعاذ الله من أن يكون أبحقّ أمر أم بباطل؟ فإن قالوا بباطل كفروا وإن قالوا : بحقّ قلنا : فليكن أمره (ع) بذلك لأيّ وجه كان فإنّه قد صار بعد ما أمر حقّا واجبا ، ثمّ لو كان هذا الهوس الّذي قالوه فلأي معنى كان يخصّ بذلك من لم يسق الهدي دون من ساق؟
وأطمّ من هذا كلّه أنّ هذا الجاهل القائل بذلك قد علم أنّ النبيّ اعتمر بهم في ذي القعدة عاما بعد عام قبل الفتح. ثمّ اعتمر في ذي القعدة عام الفتح ثمّ قال لهم في حجّة الوداع في ذي الحليفة : من شاء منكم أن يهلّ بعمرة فليفعل ومن شاء أن يهلّ بحجّ وعمرة فليفعل ومن شاء أن يهلّ بحج فليفعل (٢) ، ففعلوا كلّ ذلك فيا لله ويا للمسلمين أبلغ الصحابة رضي الله عنهم من البلادة ، والبله ، والجهل أن لا يعرفوا مع هذا كلّه انّ
__________________
(١) المحلى ٧ / ١٠٢ وقوله «فهذا أولى أن يتبع» أى قول رسول الله وأمره أولى أن يتبع من رأي رآه عمر.
(٢) قصد ان الأمر بعمرة التمتع كان في بدء الأمر في حجة الوداع تخييريا ونزل القضاء به حتما عند ما كان الرسول في آخر شوط من سعيه.