العمرة جائزة في اشهر الحجّ؟ وقد عملوها معه (ع) عاما بعد عام في اشهر الحج حتى يحتاج إلى ان يفسخ حجّهم في عمرة ليعلموا جواز ذلك ، تالله إنّ الحمير لتميّز الطريق من أقلّ من هذا فكم هذا الإقدام والجرأة على مدافعة السنن الثابتة في نصر التقليد؟ مرّة بالكذب المفضوح ، ومرّة بالحماقة المشهورة ، ومرّة بالغثاثة والبرد حسبنا الله ونعم الوكيل.
قال المؤلف : فات ابن القيم وابن حزم وسائر أتباع مدرسة الإمام أحمد أنّ الباعث على إنكار من أنكر عمرة التّمتّع ليس جهلهم بالروايات الصحيحة المتواترة عن رسول الله (ص) في ذلك ليحتاجوا إلى تعريفهم بها ، وليس سببه عدم فهمهم لمدلول تلك الروايات كي يعرّفوا بمدلولاتها ، وإنّما الدافع لهم إلى ذلك ما يقصدون من تبرير موقف الخلفاء من هذا الحكم الشرعي وفي سبيل ذلك جاهدوا على مرّ القرون ، فمنهم من وضع الأحاديث احتسابا للخير ، ومنهم من التمس للخلفاء أعذارا مثل البيهقي الّذي قال : «أراد عمر (رض) بالّذي أمر به من ترك التّمتّع بالعمرة إلى الحجّ تمام العمرة التي أمر الله عزوجل بها ، وأراد عمر (رض) أن يزار البيت في كلّ عام مرّتين وكره أن يتمتّع الناس بالعمرة إلى الحجّ فيلزم ذلك الناس فلا يأتوا البيت إلّا مرّة واحدة في السنة.».
ودافع عن غيره من الخلفاء بقوله : «اتبعوا ما أمر به عمر بن الخطّاب (رض) في ذلك احتسابا للخير» (١).
وبعض العلماء خلطوا في هذا السبيل بين الحق والباطل ولم يميّزوا الزائف من الصحيح ، وبعضهم ناقض نفسه ، وآخرون اجتهدوا فاستنبطوا من سيرة الخلفاء أحكاما لم يقم عليها دليل من كتاب ولا سنّة ويصيب الباحث الدوار إذا أراد أن يتابعهم في ما ذكروا في هذا الباب ، ولا يحصل منهم على رأي ثابت أو مصيب وللتدليل على ما قلنا نضيف إلى ما أوردناه الى هنا بعض ما أورده النووي في شرح مسلم باختصار ، قال :
اختلف العلماء في هذه الأنواع الثلاثة أيّها أفضل فقال الشافعي ومالك وكثيرون : أفضلها الأفراد ثمّ التمتّع ثم القران وقال أحمد وآخرون : أفضلها التّمتّع وقال أبو حنيفة وآخرون : أفضلها القران ، وهذان المذهبان قولان آخران للشافعي (٢) والصحيح
__________________
(١) السنن الكبرى للبيهقي ٥ / ٢١.
(٢) ان اختلاف أقوال الشافعي يدل على تحيره في الحكم الشرعي!