وأحاديث تروى أنّه قال : «لا تكتبوا حديثي».
وهكذا وجدت الأحاديث المتناقضة في الأحاديث المروية عن رسول الله (ص).
وعلى هذا ، متى ما وجدنا الأحاديث متعارضة ، ينبغي أن نترك ما يوافق اتجاه السلطة الحاكمة مدى العصور.
ولا يفوتنا أخيرا أن نقول : إنّ المنع كان بقصد منع نشر فضائل الإمام عليّ (ع) على المسلمين ، خاصّة على عهد معاوية الذي كان يأمر بلعن الإمام في خطب الجمعة على منابر المسلمين ، كما مرّ بنا في الجزء الأول ، فصل : كتمان فضائل الإمام عليّ ، ونشر سبّه ولعنه.
* * *
أشرنا في ما سبق إلى جانب ممّا اقتضته سياسة الحكم لدى معاوية ، وهو صرف الناس عن مدرسة أهل البيت وتوجيههم نحو مدرسة الخلفاء ، وأضف إلى ذلك أن معاوية كان بحاجة إلى تغيير رؤية المسلمين لإمامهم أكثر فأكثر. فإن رؤية المسلمين للحاكم الإسلامي الأوّل رسول الله (ص) ، وأنّه مثال للكمال الإنساني ، وأنّه لا تصدر منه المعاصي ، ولا ينساق وراء هوى نفسه.
هذه الرؤية كانت تمنع غير المنحرفين من أفراد الأمّة من الانسياق وراء معاوية ، ومن قبول يزيد (المخمور المعلن بالفسق) لولاية العهد ، ومن هنا كان معاوية بحاجة إلى تغيير رؤية المسلمين إلى مثلهم الأعلى رسول الله (ص) ، ولهذا ظهرت أحاديث تري رسول الله (ص) في مستوى يزيد ومعاوية في الانحراف وراء هوى نفسه ، وقد رويت تلك الأحاديث عن بعض أمهات المؤمنين وبعض صحابة رسول الله (ص) (١).
وكان ـ أيضا ـ في الأحاديث الإسرائيلية عن الأنبياء السابقين والّتي كان ينشرها علماء أهل الكتاب بين المسلمين إسنادا وتأييدا لما تتطلبه سياسة معاوية في
__________________
(١) راجع بحث منشأ الخلاف حول صفات رسول الله (ص) من (بحوث تمهيدية) في الجزء الأوّل من هذا الكتاب ، لترى كيف رسمت مدرسة الخلفاء صورة خاتم الأنبياء فإنا نرى أنها وضعت في عصر معاوية ولحسابه.