رسول الله (ص) : «إن كان حديثي ثمّ استعن بيدك مع قلبك» (١).
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ، قال :
قلت : يا رسول الله إنّا نسمع منك أحاديث لا نحفظها ، أفلا نكتبها؟ قال : بلى ، فاكتبوها (٢).
* * *
إذا ، كان الرسول (ص) قد أمر وحثّ على تدوين أحاديثه ونشرها كما قرأناها في الأحاديث الصحيحة الأخيرة ، إذا فكيف رويت عنه الأحاديث السابقة الّتي كانت تقول : إن الرسول نهى عن كتابة حديثه!
الجواب : انّا رأينا أنّ قريشا أي المهاجرين من الأصحاب كانت تمنع من كتابة حديث رسول الله في حياته ، وأنّها هي التي منعت من كتابة وصية الرسول قبيل وفاته ، وبعد وفاته ـ على ـ أيضا ـ رأينا الخليفة القرشي الثاني يمنع بشدة عن كتابة حديث الرسول ، ويحرق ما كتب منها ، ويمنع من نشر حديث الرسول ، ويسجن في المدينة من خالف من الصحابة. وعلى نهجه سار الخليفة القرشي الثالث عثمان ، وكان من الطبيعي أن يسير في ركاب السلطة جمع من الصحابة.
ورأينا في الجانب الآخر في الصحابة من يخالف هذا الاتجاه ، وينشر أحاديث الرسول ويناله الإرهاق والشدّة مثل الصحابي أبي ذرّ. وسيأتي في البحوث الآتية بهذا الكتاب ـ إن شاء الله تعالى ـ أنّ الإمام عليّا (ع) كان مشجعا لهذا الاتجاه ، وكان من الطبيعي تشجيعه لنشر حديث الرسول على عهد خلافته ، ولما استشهد في محرابه وولي معاوية الحكم لم يكن من الهيّن على معاوية بعد ذلك أن يمنع كتابة حديث الرسول ما لا يريد نشره ، وكان لا بدّ له من مؤيّد على هذا الاتجاه ، فرويت أحاديث «منع الرسول من كتابة الحديث» في هذا العصر ، وأنتج كلّ ذلك أن نجد في أحاديث الرسول هذا التناقض :
أحاديث تروى عن رسول الله أنّه قال : «اكتبوا حديثي».
__________________
(١) سنن الدارمي المقدمة ، باب رخص في كتابة العلم ١ / ١٢٥ ـ ١٢٦.
(٢) مسند أحمد ٢ / ٢١٥.