على بعضها صح على جميعها وقد صح على بعضها التحليل والتركيب والاجتماع والافتراق فيجب ان يصح على جميعها.
قالوا : وبهذا الطريق أثبتنا حدوث العالم ونفي كون الصانع جسما وإمكان المعاد. فلو بطل الدليل الدال على حدوث الجسم بطل الدليل الدال على ثبوت الصانع وصدق الرسول. فصار العلم بثبوت الصانع وصدق الرسول وحدوث العالم وإمكان المعاد موقوفا على نفي الصفات ، فإذا جاء السمع ما يدل على إثبات الصفات والأفعال لم يكن القول بموجبه ؛ ويعلم أن الرسول لم يرد إثبات ذلك. لأن إرادته للإثبات تنافي تصديقه. ثم إما إن كان يكذب الناقل ، وإما أن يتأول المنقول. وإما أن يعرض عن ذلك جملة ويقول لا يعلم المراد.
فهذا أصل ما بنى عليه القوم دينهم وإيمانهم. ولم يقيض لهم من يبين لهم فساد هذا الأصل ومخالفته لصريح العقل ، بل قيض لهم من المنتسبين إلى السنه من وافقهم عليه. ثم أخذ يشنع عليهم القول بنفي الصفات والأفعال وتكليم الرب لخلقه ورؤيتهم له في الدار الآخرة وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه ونزوله إلى سماء الدنيا. فأضحكهم عليه وأغراهم به. ونسبوه إلى ضعف العقل والحشو والبله. والمصيبة مركبة من عدوان هؤلاء ونفيهم. وتقصير أولئك وموافقتهم لهم في الأصل ثم تكفيرهم وتبديعهم.
وهذا الطريق. من الناس من يظنها من لوازم الإيمان وأن الإيمان لا يتم إلا بها. ومن لم يعرف ربه بهذه الطريق لم يكن مؤمنا به ولا بما جاء به رسوله. وهذا يقوله الجهمية والمعتزلة متأخر والأشعرية بل أكثرهم وكثير من المنتسبين إلى الأئمة الأربعة وكثير من أهل الحديث والصوفية. ومن الناس من يقول : ليس الإيمان موقوفا عليها ولا هي من لوازمه. وليست طريق الرسل. ويحرم سلوكها لما فيها من الخطر والتطويل وإن لم يعتقد بطلانها. وهذا قول أبي الحسن الأشعري نفسه. فإنه صرح بذلك في رسالته إلى أهل الثغر ، وبين أنها طريق خطرة مذمومة محرمة وإن كانت غير باطلة ، ووافقه على هذا جماعة من أصحابه من أتباع الأئمة.