إلى الحقيقة والمجاز ، لأن الحكم المشروط بشرط لا يتحقق إلا عند تحقق شرطه ؛ ولا سبيل لبشر إلى العلم بتحقيق هذين الأمرين ؛ وهما الوضع الأول والنقل عنه ، وإن اعتبرتم تقديره وإمكانه فهو ممتنع أيضا ؛ إذ مجرد التقدير والاحتمال لا يوجب تقسيم الكلام إلى مستعمل في موضوعه الأول ومستعمل في موضوعه الثاني ؛ فهب أن هذا الحكم ممكن أفيجوز هذا الحكم والتقسيم بمجرد الاحتمال والإمكان يوضحه.
الوجه الثالث والثلاثون : إن هذا التقسيم إما أن تخصوه بلغة العرب خاصة أو تدعوا عمومه لجميع لغات بني آدم ، فإن ادعيتم خصومه بلغة العرب كان ذلك تحكما فاسدا ، فإن التشبيه والمبالغة والاستعارة التي هي جهات التجوز عندكم مستعملة في سائر اللغات ، وإن كانت لغة العرب في ذلك أوسع وتصورهم المعاني أتم ، فإذا قلت زيد أسد أمكن التعبير عن هذا المعنى بكل لغة. وإن ادعيتم عموم ذلك لجميع اللغات فقد حكمتم على لغات الأم ، على أنها كلها أو أكثرها مجازات لا حقيقة لها ، وأنها قد نقلت عن موضوعاتها الأصلية إلى موضوعات غيرها ، وهذا أمر ينكره أهل كل لغة ولا يعرفونه بل يجزمون بأن لغاتهم باقية علي موضوعاتهما لم تخرج عنها ، وإنهم نقلوا لغتهم عمن قبلهم ، ومن قبلهم كذلك على هذا الوضع ، لم ينقل إليهم أحد أن لغتهم كلها أو أكثرها خرجت عن موضوعاتها إلى غيرها.
الوجه الرابع والثلاثون : أنه قد علم بالاضطرار من دين الرسول صلىاللهعليهوسلم أن الله تعالى متكلم حقيقة ، وأنه تكلم بالكتب التي أنزلها على رسله ؛ كالتوراة والإنجيل والقرآن وغيرها ؛ وكلامه لا ابتداء له ولا انتهاء ، فهذه الألفاظ التي تكلم الله بها ؛ وفهم عباده مراده منها لم يضعها سبحانه لمعان ثم نقلها عنها إلى غيرها ، ولا كان تكلمه سبحانه بتلك الألفاظ تابعا لأوضاع المخلوقين ، فكيف يتصور دعوى المجاز في كلامه سبحانه إلا على أصول الجهمية المعطلة ، الذين يقولون كلامه مخلوق من جملة المخلوقات ولم يقم به سبحانه كلام؟ وهؤلاء اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتكفيرهم.