فصل
وقال الشيخ أبو إسحاق في «اللمع» :
وإذا خص من العموم شيء لم يصر اللفظ مجازا فيما بقي ، وقالت المعتزلة يصير مجازا ، وكذلك الشيخ أبو نصر بن الصباغ ، صرح بذلك في كتاب «العمدة» في أصول الفقه ، ولا نزاع بين المتقدمين من أصحاب الشافعي وأحمد أن العام المخصوص حقيقة ، وكذلك أصحاب مالك ، وإن كان بين المتأخرين منهم نزاع في ذلك ، كما لا نزاع بين الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة أنه حجة ، ومن نقل عن أحد منهم أنه لا يحتج بالعام المخصوص فهو غلط أقبح غلط وأفحشه ، وإذا لم يحتج بالعام المخصوص ذهبت أكثر الشريعة وبطلت أعظم أصول الفقه.
وهاهنا مسألتان (إحداهما) : أنه هل يصير مجازا بعد التخصيص أم هو حقيقة؟ (والثانية) : هل يحتج به بعد التخصيص أم لا؟ وبعض المصنفين الغالطين يجعلها واحدة ويبني إحداهما على الأخرى ، فنقول : إذا بقى مجازا صار مجملا فلا يحتج به ، وهذا غلط يتركب منه أن العام المخصوص بالاستثناء والشرط والغاية والصفة وبدل البعض من الكل لا يحتج به عند من يجعل ذلك مجازا ، ومن نسب إلى الأئمة هذا وهذا فقد كذب عليهم ، ويلزم هؤلاء أن يكون أفضل الكلام وأعلاه الذي لا يدخل في الإسلام إلا به وهو كلمة لا إله إلا الله مجازا وأن يكون : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران : ٩٧) مجازا وأن يكون قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (البقرة : ٢١) مجازا ، وأن يكون قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) (الجمعة : ٩) مجازا ، وفساد هذا معلوم بالضرورة لغة وشرعا وعقلا ، قبح الله قولا ويتضمن أن يكون لا إله إلا الله مجازا فلا كان المجاز ولا يكون ولا هو كائن.