وسيأتى بيان أن أرباب المجاز يلزمهم أن يكون قولنا محمد رسول الله مجازا ، بل ذلك صريح قولهم فإنهم صرحوا أن الإضافة تقييد وأصابوا في ذلك وصرحوا بأن اللفظ وضع مطلقا لا مقيدا ، فاستعماله في المقيد استعمال له في غير ما وضع له كاستعمال العام في الخاص ، وذلك المجاز بعد التخصيص كهذا المجاز بعد التقييد ، فإن الإضافة تفيد المطلق كما أن الاستثناء والشرط والغاية والبدل والصفة تخص العموم ، وقد صرح ابن جني أن أكثر اللغة مجاز ، قال : وكذلك عامة الأفعال كقام وقعد وانطلق وجاء ، قال : لأن الفعل يستفاد منه الجنس ، ومعلوم أن الفاعل لم يكن منه جميع القيام ، وسيأتي تمام كلامه والبيان الواضح في فساده.
والمقصود أن على هذا القول الفاسد يكون قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) (الفتح : ٢٨) ، وقوله : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) (النساء : ٧٩) ، وقوله (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) (البقرة : ٢١٣) كل ذلك مجازا لا حقيقة له بل كل فعل أضافه الرب إلى نفسه وإلى خلقه مجاز لا حقيقة له على قول هذا المبتدع الضال ، فإن الفعل جنس ، والجنس يطلق على جميع الماضى وجميع الحاضر وجميع الأمور والكائنات وعن كل من وجد منه القيام ، ومعلوم أنه لا يجتمع لإنسان واحد في وقت واحد ولا في مائة ألف سنة مضاعفة القيام كله الداخل تحت الوهم ، هذا محال ، وإذا كان كذلك علمت أن قام زيد مجاز لا حقيقة.
فانظر كيف أقر واستدل وقرر أأفعال الله كلها مجاز ، فخلق السماوات والأرض عنده مجاز ، وقد صرح بأن المجاز يصح نفيه ، وأرسل رسوله بالهدى ودين الحق مجاز عنده ، فقبح الله هذا القول ولا بارك الله في أصل يتضمن هذا الكفر والجنون وقد صرح مغل الجهمية بأن خلق واستوى مجاز ، فلا خلق في الحقيقة ولا استوى على عرشه ، فإن الخلق فعل فلا يصح قيامه به عندهم لأنه حادث ؛ فلم يقم به خلق البتة ، وإنما يقال خلق على سبيل المجاز للتعلق العدمي بين المخلوق وبينه سبحانه.