له مثال. قال عبد الله بن مسعود : ليس عند ربكم ليل ولا نهار ، نور السموات والأرض من نور وجهه (١) ، فهل أراد ابن مسعود أن هذا النور الذي على الحيطان ووجه الأرض هو عين نور الوجه الكريم ، أو فهم هذا عنهم ذو فهم مستقيم ، فالقرآن والسنة وأقوال الصحابة رضي الله عنهم متطابقة يوافق بعضها بعضا ، وتصرح بالفرق الذي بين النور الذي هو صفته ، والنور الذي هو خلق من خلقه ، كما تفرق بين الرحمة التي هي صفته ، والرحمة التي هي مخلوقة ، ولكن لما وجدت في رحمته سميت برحمته ، وكما أنه لا يماثل في صفة من صفات خلقه ، فكذلك نوره سبحانه ، فأي نور من الأنوار المخلوقة إذا ظهر للعالم وواجهه أحرقه؟ وأي نور إذا ظهر منه للجبال الشامخة قدرا ما جعلها دكا ، وإذا كانت أنوار الحجب لو دنا جبرائيل من أدناها لاحترق ، فما الظن بنور الذات.
الوجه التاسع : أنه قال تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) (الزمر : ٦٩) فأخبر أن الأرض يوم القيامة تشرق بنوره ، وهو نوره الذي هو نوره ، فإنه سبحانه يأتي لفصل القضاء بين عباده وينصب كرسيه بالأرض ، فإذا جاء الله تعالى أشرقت الأرض ، وحق لها أن تشرق بنوره ، وعند المعطلة لا يأتي ولا يجيء ، ولا له نور تشرق به الأرض.
الوجه العاشر : ما رواه محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور ، فرفعوا رءوسهم فإذا الجبار جل جلاله وقد أشرق عليهم من فوقهم وقال : يا أهل الجنة السلام عليكم» فذلك قوله تعالى : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) قال ثم يتوارى عنهم وتبقى رحمته وبركته عليهم في ديارهم ، رواه الحاكم في «صحيحه» وابن ماجه في «سننه» (٢) فهذا نور مشاهد قد سطع لهم حتى حركهم واستفزهم إلى رفع رءوسهم إلى فوق.
__________________
(١) أورده ابن كثير في «تفسيره» مطولا ، وانظر «اجتماع الجيوش» للمصنف بتحقيقنا.
(٢) [ضعيف الإسناد] رواه ابن ماجه (١٨٤) في «مقدمة سنه» ، وفي إسناده أبو عاصم العباداني وفيه ضعف.