(قلت) أما حكايته عن ابن عباس أنه بمعنى هاد فعمدته على التفسير الذي رواه الناس عن عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس وفي ثبوت ألفاظه عن ابن عباس نظر ، لأن الوالبي لم يسمعها من ابن عباس فهو منقطع ، وأحسن أحواله أن يكون منقولا عن ابن عباس بالمعنى ، ولو صح ذلك عن ابن عباس فليس مقصوده به نفي حقيقة النور عن الله ، وأنه ليس بنور ، ولا نور له كيف وابن عباس هو الذي سمع من النبي صلىاللهعليهوسلم قوله في صلاة الليل : «اللهم لك الحمد ، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن» (١) وهو الذي قال لعكرمة لما سأله عن قوله : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) (الأنعام : ١٠٣) قال ويحك ذاك نور ، إذا تجلى بنوره لم يدركه شيء ، كيف ولفظ الآية والحديث ينبو عن تفسير النور بالهادي ، لأن الهداية تختص بالحيوان ، وأما الأرض نفسها والسماء فلا توصف بهدى ، والقرآن والحديث وأقوال الصحابة صريح بأنه سبحانه وتعالى نور السموات والأرض ، ولكن عادة السلف أن يذكر أحدهم في تفسير اللفظة بعض معانيها ولازما من لوازمها أو الغاية المقصودة منها ، أو مثالا ينبه السامع على نظيره ، وهذا كثير في كلامهم لمن تأمله ، فكونه سبحانه هاديا لا ينافي كونه نورا.
وأما ما ذكره عن ابن مسعود أنه بمعنى منور ، وأنها في مصحفه كذلك ، فهذا لا ينافي كونه في نفسه نورا ، وأن يكون النور من أسمائه وصفاته بل يؤكد ذلك ، فإن الموجودات النورانية نوعان (منها) ما هو في نفسه مستنير ولا ينير غيره كالجمرة مثلا ، فهذا لا يقال له نور ، ومنها ما هو مستنير في نفسه وهو منير لغيره كالشمس والقمر والنار ، وليس في الموجودات ما هو منور لغيره ، وهو في نفسه ليس بنور ، بل إنارته لغيره فرع كونه نورا في نفسه ، فقراءة ابن مسعود منور تحقيق لمعنى كونه نورا ، وهذا مثل كونه متكلما معلما مرشدا : مقدرا لغيره ، فإن ذلك فرع كونه في نفسه متكلما عالما رشيدا قادرا ، وقد صرح ابن مسعود بأن نور السموات والأرض من نور وجهه تبارك وتعالى.
__________________
(١) تقدم تخريجه قريبا.