فصل
وأما (المقام الرابع) وهو إفادتها اليقين : فنقول وبالله التوفيق : الأخبار المقبولة في باب الأمور الخبرية العلمية أربعة أقسام (أحدها) متواتر لفظا ومعنى (والثاني) أخبار متواترة معنى إن لم تتواتر بلفظ واحد (الثالث) أخبار مستفيضة متلقاة بالقبول بين الأمة (الرابع) أخبار آحاد مروية بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط عن مثله حتى تنتهي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فأما القسمان الأولان فالأخبار الواردة في عذاب القبر والشفاعة والحوض ورؤية الرب تعالى وتكليمه عباده يوم القيامة ، وأحاديث علوه فوق سماواته على عرشه ، وأحاديث إثبات العرش ، والأحاديث الواردة في إثبات المعاد والجنة والنار ونحو ذلك مما يعلم بالاضطرار أن الرسول جاء بها كما يعلم بالاضطرار أنه جاء بالتوحيد وفرائض الإسلام وأركانه ، وجاء بإثبات الصفات للرب تعالى ، فإنه ما من باب من هذه الأبواب إلا وقد تواتر فيه المعنى المقصود عن النبي صلىاللهعليهوسلم تواترا معنويا لنقل ذلك عنه بعبارات متنوعة من وجوه متعددة يمتنع في مثلها في العادة التواطؤ على الكذب عمدا أو سهوا ، وإذا كانت العادة العامة والخاصة المعهودة من حال سلف الأمة وخلفها تمنع التواطؤ على الاتفاق على الكذب في هذه الأخبار ، ويمتنع في العادة وقوع الغلط فيها ، أفادت العلم واليقين.
ثم للناس في حصول العلم بها طريقان : (أحدهما) أنه ضرووي ، (والثاني) أنه نظري ، فأصحاب الضرورة يستدلون بحصول العلم لهم ضرورة على حصول التواتر الموجب له ، وأصحاب النظر يعكسون الأمر ويقولون نحن نستدل بتواتر المخبرين على إفادة العلم.
والطريق الأول أعلى التقديرين ، فكل عالم بهذه الأحاديث وطرقها ونقلها وتعددها يعلم علما يقينا لا شك فيه بل يجد نفسه مضطرة إلى ثبوتها أولا وثبوت مخبرها ثانيا ، ولا يمكنه دفع هذين العلمين عن نفسه (العلم الأول) ينشأ من جهة معرفته بطريق الأحاديث وتعددها وتباين طرقها واختلاف مخارجها ، وامتناع التواطؤ زمانا ومكانا على وضعها ، (والعلم الثاني) ينشأ من جهة إيمانه بالرسالة ، وأن الرسول صادق فيما يخبر به.