ويطيعونه ، ويقدمون أنفسهم قرابين في سبيل تعزيز سلطانه ، ويفدونه بأنفسهم ، وأحوالهم ، وأهليهم سواء أكان سلطانه من الله تعالى كما في الأنبياء (ع) وخلفائهم (ع) ، أو من الشيطان كما في المردة ، والجبابرة ، البغاة ، وسواء أكان عادلا فيهم ، أو ظالما جائرا.
ولو تأملتم قليلا لظهر لكم بالعيان إنّ الأكثرين في كثير من الحالات يبتعدون عن أولياء الله تعالى ، ويخالفون أنبياءه وخلفاء أنبياؤه (ع) ، ويسفكون دماءهم ، ويتّفقون على طاعة أعداء الله تعالى ، وينقادون إليهم على الطوع والاختيار. وكم يتّفق للظالم المتغلب والناقص الغبي الجاهل الالتفاف من أكثر الناس حوله ، والرضا به ، والطاعة له ، فتنقاد له الأمور على ما يشاء ويهوى ، ويختلف على العادل المستحق ، والعالم الكامل ، فتضطرب عليه الأمور ، وتكثر له المعارضات ، وتحدث في ولايته المنازعات والفتن وليس يخفى على مثلكم ما جرى على كثير من أنبياء الله تعالى من الطرد ، والتشريد ، والأذى ، والقتل ، والردّ عليهم ، والتكذيب لدعواهم ، والاستخفاف بهم ، والاستهزاء منهم ، والانصراف عن تلبيتهم ، والاجتماع على خلافهم ، والاستحلال لدمائهم ، فكانت للنماردة ، والفراعنة ، وملوك الفرس ، والروم ، من الأتباع على الكفر والضلال ما لا يمكن لمن سمع كتاب الله تعالى وتلا آياته أن يخدش في شيء ممّا ذكرنا أو يناقش فيه.
وإنّما تلونا عليكم ذلك كلّه لتعلموا ثمّة أنّ الاجتماع في حدّ ذاته لا يكون امتيازا في إثبات الحقّ ، كما لا يكون انصراف الناس برهانا في إثبات الباطل ، وإنّما الأمر في هذين الموضوعين يدور مدار البراهين ، والآيات ، والحجج ، والدلالات ، لوجود الاجتماع على الخطأ والضلال ، والاختلاف على الهدى والصواب من أكثر الناس.