من جزئه الثالث في غزوة الحديبية من كتاب المغازي ، وقد أطاعهم على محو اسمه من الرسالة ، وهو قادر على قتالهم. فإذا صحّ لديكم هذا وقلتم بسقوط حقّ النبوة من رسول الله (ص) صحّ لكم ذاك وهذا معلوم البطلان ، وذاك مثله باطل نعم إنّما قبل (ص) ذلك ورضي به (ص) لحكم غايات دقيقة ، وغايات جليلة غابت عن ذهن الكثيرين ، ولم يهتدوا لها.
فمنها : كراهته (ص) للقتل والقتال ، وحرصه على صون الدماء ما استطاع إليه سبيلا ، وليس في محوه لاسمه الشريف من الرسالة ما يوجب الوهن فيها لثبوتها بآياتها البيّنات ومعجزاتها النيرات.
ومنها : محافظته (ص) على حياة أصحابه ولو رجل منهم من غير ضرورة تدعو إلى قتالهم لعلمه (ص) بأنّه سيدخل مكّة المكرمة مع أصحابه في العام القابل من غير سلاح وقتال.
ومنها : علمه (ص) بأنّ أكثر هؤلاء سوف يسلمون بعد فتح مكة.
ومنها : علمه (ص) أنّ أهل مكّة سوف يخلونها له (ص) ولأصحابه ثلاثة أيام فيطوفون ويسعون محلقين ومقصرين وأهلها على الجبال وهذا له (ص) ولأصحابه بأعلى مراتب العزّة والعظمة ولأعدائه بأدنى ما يكون من الذلّ والهوان.
ومنها : علمه (ص) بدخول الكثيرين من وفود العرب في الإسلام حينما يبلغهم هذه العزّة له ولأصحابه ، والذلّة والصغار لقريش الذين هم أعداؤه الألداء.
ومنها : إنّه لو قاتلهم في عام الحديبية لم يتيسر له فتحها بتلك السهولة ، بل لتنكر منه القوم ، ولجعل دعاتهم العيون في الطريق خوفا من صولته (ص) عليهم بغتة وهم لا يشعرون.